Rechercher dans ce blog

vendredi 5 août 2016

مقال بعنوان " صراع الفكرة و فكرة الصراع " بقلم المدون نورالدين الجزائري


صراع الفكرة وفكرة الصراع



منذ أول صراع بشري كان على احد الطرفين استخدام عقله للنيل من خصمه، للبحث في  أسباب ضعف الخصم عقلانياً، والإتيان بهزيمته من هذا الباب الهشَّ مفتاحُه، وأبعد من ذلك أن صراع الحقّ والباطل منذ أن نزغ الشيطان في روع آدم لحياده عن امر ربه، كانت الفكرة لإغواء الاخر هي السلاح في الإطاحة بالخصم، وعلى ذلك بنيت الانسانية وجُبِلت على الفكرة، على التساؤل، على التخطيط، على ما بعد الوجود، وكل ذلك مبني على إيجادها وبلورتها وتطويرها والاستنتاج منها والمشي عليها وتركها واستبدالها بفكرة أخرى، وذلك ممّا ميّز الله سبحانه عباده عن سائر مخلوقاته.
ولاشكّ ان الانسان محمل على الخير كما هو كذلك على الشر، ومن سرِّ خلق الخلق ان الله عزّ وجل جعلهم للاختبار لا ليختبروه، فنعمة العقل جعلت الوصول إلى الحق ومن ثمّة العمل به، و إن يسع الخلق للفطرة التي فطرهم عليها، وهو الخير وإيجاده والعمل به والحرص عليه، كما ان للشيء مضاده، فالخير ضده الشر و يدخل فيه كل من تشرّبه و عمل به وحرص على نشره في المجتمعات.
فالطبيعة البشرية مجبولة على الخير ومطبوعة عليه غن وافقت السنن وعملت بما جاءت به الرسل، فكل السعادة بما منّى الله عليها من وحي، وتنحرف الى الضلال والهمجية والبعد عن السوية اذا تغمّدها الشيطان بشره، وقال لها من هنا النصر والتمكين.
فالدّارس لبقاء الامم وإن قلّت مواردها واندثار أخرى وإن عظُمَت حضارتها، فالقاسم المشترك بينهما هو مدى الخير والشر في تلك المجتمعات، ومدى قوة الفكرة في ذلك الانسان المكون لها ، فالوحي كله خير، والوسوسة من روع الشيطان، فأهل الوحي أهل حقٍ وعصمة واستمرارية، وأهل الباطل أهل ضلال وتشرذم واندثار، وما نشهده اليوم من صراع الفكرة لهو ما عاشه الاولون بطرق أخرى، فالصراع ما بين الحق والباطل هو حرب مستمرة بين الخير والشر وكلاهما مبني على الفكرة.
لا اريد أن أخوض طويلا في أمثلة من تاريخ الامة وكيف طال ملكها لأكثر من ثمان قرون ونصف، ولا لأخرى ومدى جبروتها وغطرستها وما استمرت إلا لقرن و زيادة، فاسألوا ابن خلدون ينبئكم عن سبب بقاء الدول وزوالها في مقدّمته، فنحن اليوم في خضّم صراع أخر ما بين الفكرة بنوعَيْها، وكيفية إيصالها للداخل و الخارج، وفرضها على الخصم لنسف إدعائه من أصله، فصراع الأفكار أشدّ فتكا من التقاء المقاتلَيْن، فالفكرة تقتل في العدو المعنوي، والرصاصة تقتل الجسد، فالجسد يفنى، والفكرة تبقى، فصراع الفكرة من وحي منبع فكرة الصراع ، صراع الامم وان اختلفت الأساليب والأدوات  .
فاليهود أسسوا لكيانهم بفكرة لهرتزل، والفكرة اليوم مبلورة في كيان ، وصراع الغرب والشرق كذلك أساسه فكرة، الرأسمالية مقابل الاشتراكية، حتى أُسقِطت الاشتراكية، وكانت لها تبعات في عالمنا الاسلامي، فقد زُرِع فيه من فكرة ضربت فِكرتَه حتى أضحى فكرا من علمانية وقومية وعرقية، فالضعيف يتأثر دوماً ودائماً بفكرة القويّ، ويتبعه في الفكرة والتفكير، بأساليب ترهيبية وترغيبية، يزرع في مجتمعه فكرة الصراع ما بين الموجود والدخيل، ما بين الموروث والمستورد، ما بين السقيم والصحيّ، ما بين التخلّف والتقدم، وكل ذلك بكيفية تسويغ الفكرة و تقديمها على أنّها النموذج المثالي.
لقد سلبوا الأمّة من صراع الفكرة وفكرة الصراع، قسَّموا وقطّعوا أوصالها حتى تُجرَد من الفكرة، وادخلوا فيها من الفكرة حتى أضحت متصارعة مع نفسها وذاتها و أسّ فكرة بنيانها، قتلوا فيها الفكرة حتى أصبحت ترى دماء المسلم ماءً ، وانتهاك الأعراض آفة، ناهيك عن الكفر المستشري فيها فهو من الخصوصيات الفردية، وغرسوا فيها محاربة كل ما هو فضيلة بفكرة الرذيلة، فانظر إلى فكرة كفر التشريع وانتشاره، وتقنين الربا والزنى والخمور وتعميمه، إلى الاصطفاف مع القوي لإذلال بقية الشعوب المسلمة وكل ذلك في محاربة فكرة، فكرةُ رفض الفكرة الاخرى ومقارعتها بالفكرة، ومن هنا بدء لُب صراع الفكرة.
يقول مهندس تنظير السياسة الامريكية -كيسنجر- وزير خارجية أمريكا عند توقيع معاهدة كامب ديفيد لرئيس الوزراء الاسرائيلي :" إني سلمتك أمة نائمة تغط في سبات عميق، ولكنها لا تموت، فاحرص على ألا تصحوا هذه الأمة، فإن صحت، استردت في سنوات قليله، ما سلب منها في قرون .."، فالمخضرم اليهودي كسنجر كان أوعى وأدرى بصراع الأفكار، فكل نظرياته من روح أفكاره وقراءة المستقبل بما يخدم سياسة بلاده، فكلامه لمناحييم بيجِن من صلب صراع الفكرة، فقد عَلِم أن الأمّة صاحب الفكرة، و انّ فكرتها من الفطرة التي فُطرت عليها، وهي صالحة لكل الانسانية، فهي من روح الله لعباده، و أنّ ما تم من سلب الأمّة لإرادتها فذلك من سلبها لاستقلالية أفكارها وفكرها، و أنّ استمرارية الهيمنة عليها هي التحكّم في مصدر وحييها، وأن الانسان ينام بفكر ويصح بفكر آخر، وعملية التنويم تسبقها دراسة لمخدّر قوي حتى يسهل تنويمها، والمخدّر بات في إدخال فكر غريب عليها، ومن ثمة تنويمها في فكر إنعاشي، والتحذير من عدم استمرارية التخدير إن استرجعت زمام الفكرة والمبادرة، والرجل كان يعي ويعلم مدى تأثير الفكرة على الخصم إن قبلها أو ردّها.
فاليوم وبحمد الله ومنّته على الأمّة، بدأنا في رفض هيمنة الفكرة، وأنّها الشر المستطيل على نهضتنا، ودخل البعض منّا في فكرة الصراع لردّ صحيح الفكرة إلى صريح العيش بها ومنها وعليها، فما أكثر اليوم من إبناء ربعي بن عامر رضي الله عنه وتصحيح الفكرة، فكر الغرب الذي مَس نهضة الامة ، ومن خلاله الْتَهَمَها كما يلتهم الحوت القوي الضعيف، ومن فكرهم العلمانية والقومية والوطنية والليبرالية، وقوم آخرين من أصحاب الوسطية والسلمية، فلا إلى صراع الفكرة نقحوا ولا إلى فكرة الصراع نافحوا، مذبذبين كمنافقي الصدر الاول من الأمّة ينتظرون ميل الكفة.
فأصحاب صراع الفكرة اليوم في احتكار لأدواتها وكيفية تسويغها، فالنظام دولي يحكم السيطرة على الانسانية اليوم عبر أذرعه الأربع : السلاح -الخامات- الشرعيه_الإعلام ، فهو يُدخل في حاشيته كل من يخدم أجندته وفكرته، ويقصي و يشيطن كل من يعارض سياسته و توجهاته وهيمنته، فيرى في الشيطان ملكاً وكذا في الملك شيطاناً، فكان لابد أن يُقارع بنفس الفكرة وبأساليب مختلفة حتى تتساوى الرؤى في إيصال الفكرة.
فإذاً ما نراه اليوم من أساليب الاحتكار للمعلومة بنيّة تغيِيب الطرف الاخر وفكرته، لهو من صراع الأيديولوجيات والأفكار عبر تاريخ الانسانية، فقد عُرِفت هذه السياسة بالحرب النفسية، أفكاراً قاتلة تُبَث في روح المقاوم للهيمنة، وإنّ أكبر كذبةٍ ترويجُ باطلٍ ظاهرٍ للعيان، وخاصة الترويج للكفر أمام الايمان، فأساليب الشيطنة و إن عَظُمَت فهي زائلة لا محالة أمام قوة صمود الايمان وأهله، فالنازية و بوقُها قوبل وعبقريته في ترويج الفكرة أصبحت من خبر كان، وكذا مستقبل القوى الرأسمالية، لأن بناية فكرها على باطل، والباطل من فكرة لا أصل لها، وَ أَمَّا ما ينفع الناس هو الحق، والحق هو الله .
فالصراع اليوم صراع أفكار قبل أن يكون صراع المدافع والطيران، فقلة من أبناء الامة فهموا الفكرة، وأخذوا على عاتقهم تِبيان زيف الهيمنة وخطورتها على الانسانية، فدخلوا في حرب الأفكار مع الغرب لإيصال رسالة ربعي بن عامر رضي الله عنه، وقد أفلح القوم من حيث النظرية، فلا ينفك خبرا في جرائد الغرب إلا وتجد خبر هؤلاء وعملهم، والاصرار على إيصال فكرهم، فالكل اليوم يهرول لفتح كتاب الفكر الاخر وقراءة ما بين سطور الفكرة علّها تتضح لمن أراد أن يفهم ويستوعب .

الســـلام عليكم ..
=====================
كتبـــــــه : نورالدين الجزائري

2       ذو القعدة 1473 الموافق ل 05/08/2016



Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire