Rechercher dans ce blog

mardi 23 août 2016

مقال بعنوان " المثقف العربي و زبالة الفكر" .. بقلم المدون نورالدين الجزائري


المثقف العربي وزبالة الفكر ..


وددت لو أن لا أتطرق لهذا الموضوع، ولطالما تحاشيته وتحاشيته مرارا وتكرارا خشية إحراج البعض أو التنقّص من مكوّنهم العلمي والأكاديمي، لكن ما زُجّ في مجتمعاتنا من أفاعي مسمومة وأصحاب طاولات غربية من عقود قليلة لإفساد هويتنا باسم مصطلح مسلوب التعاريف العلمية، فضفاضا في الاشكالية والمسميات العامة، وكنّا بالأمس من روّاد نشر هذا الفنٌ وفروعه الخُلقي في تعليم الناس معنى الحياة وفن التعايش مع الاخر في الشكل والاختلاف، دفعتني بعض الأقاويل والبيانات لأبيّن بعض الذي اُشكِل على أحبتي في من يرونهم اليوم بالمثقفين أو أصحاب اللسان الطويل، وفيما يجري من نهضة وتوعية وغليان في المجتمعات العربية والإسلامية ..
إنّ ما نراه اليوم وما نسمعه من بعض من أعتلى منابر الاعلام السياسي والاجتماعي والثقافي من كلام عن الأمّة وثوابتها والانتقاص من تاريخها، يدعو البعض منّا حسب علمه وتخصصه إلى ردّ كل متعال على هويتنا وحضارتنا العربية والإسلامية بحزم، علمياً وتربوياً ومعرفةً وسلوكاً، وما يدعون إليه من ازدراء وتنقّص مٌكوّني ومعرفتي، فلا مداهنة في فضح القوم وليكن ذلك إذن بفضح المتسلقين والانتهازيين الجدد، والمتسلقة باسم العلمانية والمدنية المستوردة والمعلّبة، طازجة السموم والهذيان، فما أكثرهم اليوم في مجتمعاتنا، نراهم معتلين منابر الفتنة، فتنة الناس في دينهم ومعاشهم ونمط حياتهم وعاقبة أمرهم .
فكلمة ثقافة يشترك فيها مكوّن علمي من مفكرين، وفلاسفة، وعلماء، وباحثين، وعلماء دين، قاسمهم المشترك الرقي بالانسان والمجتمع نحو الايجابيات في رؤية الحياة من حيث الروح والمادة، وبقوانين معروفة ومتبعة كي لا يُختل بموازين وقوانين الحياة، لئِلا يُمس النسيج الاجتماعي بتشوهات وعاهات يُنتج من خلالها مشاكل جمّة وغير محمودة ومحدودة العواقب والنتائج .
فالنسيج الاجتماعي مكون من النخبة بأذرعها الثلاثة، النخبة السلطوية، والنخبة المالية، والنخبة الفكرية، وهذا ما يسمى بالدولة أو الكيان أو الإمارة، فالنخب من تتحكم في مقاليد الحكم وتوجيه الناس حسب السياسات المدروسة، فلا شكّ أن النخبة الفكرية ينتمي إليها المثقف الذي يستمد وحي فهمه أولا من دين وعرف البلد، ويستمد بعدها وحي قلمه من مراكز تكوينه داخليا أو خارجيا بحسب تخصصه وتشعّبه في العلوم والمعرفة.
والمثقف هو عين المجتمع في مراقبة النخبة السلطوية والمالية، فهو عين الاستشارة والتوجيه بما يخدم المجتمع والإنسان، تراه صاحب دراسة علمية في فن السياسة، الاقتصاد والمال، وعلم النفس والاجتماع، قهو القلب النابض لكل حياة في المجتمعات، فلولا المثقف لأستعبد الناس الناس، ولهُدّمت مقومات كل حياة؛ ففي المجتمعات المتقدمة فإن المثقف لمّا عُلِم دوره في بناء الانسان جُسّد علمه وفهمه للثقافة من النظرية إلى التطبيق، ومن التجريد إلى التجسيد، فكان المستشار لكل العلوم، وبها حُفِظت الموازين والاستقامة على المفاهيم، وجعلت من المجتمع سلطة رابعة تتحكم في كل النخب والسُلطات.
فإذاً المثقّف بمفهومه العام هو الحارس الأمين لمفهوم سلوكيات الفرد والمجتمع، وهو حامي السفينة وتوجهها من الرياح العاتية، رياح التغريب والتشكيك في المعتقد والهوية والسياسة، وهو مؤشر الأخطار والانزلاقات والحد منها ومعالجة الداء والمكمن فيها، وهو أمين سر الفرد والمجتمع حسب التوجهات وثقافة البلد وفلسفته المعيشية، أنّه الشرطي بدون الزيّ العسكري الحافظ لحدود الأمة بحسب التخصص والمهمة ..
فحبذ لو اتّسم المثقف العربي بهذا التعريف المجمع عليه حضارياً وبين الامم المحترمة، والتي ارتقت بالفرد إلى سلوكيات وأخلاق متعارف عليها عند بني البشر، فالمجتمعات العربية اليوم إنَّما نتاج مثقّفيها ممن عُرِّفوا رسميا وقُرِّبوا من دوائر صُنَّاع القرار هم ممن تتلمذ على طاولات الغرب، واشتهروا بالبلطجة الفكرية والتشويش على كيان الأمّة، فقَلّما تجد مثقفا مقَرّب من صنع القرار من يهتم بشؤون المجتمع الذي يعيش فيه، فتراهم يشكون تهميش النصح والمشورة، فأغلبهم يتنحى عنوة أو سبيله الاستقالة، فمهنة البعض الآخر هو التشبيح على الدّين والفضيلة، وفهِمَ من الثقافة الطعن في أخلاق وسلوك ومبادئ المجتمعات وكل بنية فكرية ومذهبية، مريداً بذلك استنساخ فلسفة نظرية لا تتسم مع هوية وثقافة البلد الذي يعيش فيه، فجلّ المثقفين اليوم على الساحة العربية والإسلامية همُّهم التجربة الغربية في السلطات النخبوية الثلاثة، فالمشورى السياسية والاقتصادية يجب أن تكون على النظرة الغربية ومنها فيروس التبعية، وَأَمَّا الاعلام والثقافة ففهمهم غناء وطبول وتطبيل ودروشة وصوفية روحانية، ومنها التحلل الأخلاقي والمناداة باسم التمدن والرقي إلى الرذيلة بأنواعها وطرقها ..
فإن الأمّة اليوم ابتُليَت بعنصر دخيل على ثقافة الأمة، فالثقافة رئة المجتمع في الإبداع من النصح الى الترويح عن النفس، فليس كل من تعلّم علمٍ فَهُو بالضرورة مثقّف، فيمكن أن يكون الانسان ذو تخصص ما فعليه الزيادة في فهم علم الآخرين وهذا محمود، ففي الغرب تجد أهل الثقافة والمقربين من دوائر صنع القرار حسب توجه النظام أو الحكومة، فمنهم من هو علماني أو ذو مباديء مسيحية في سياسته خاصة الداخلية تراه يقرّب من ينصحه حسب التوجه وراحة المجتمع في ما هو عليه من سلوك واعتقاد، وَأَمَّا عندنا فالحابل قتل النّابل فالمقربون من مصير توجه المجتمعات لا سلوك يوجههم ولا أخلاق تحكمهم، فالمجتمعات مسلمة تتحكم في ثقافتها نسبة معيّنة من ملاحدة واللاّدينيين، أو شواذ فكرٍ و بارونات رذيلة والحثّ عليها في كل مناسبة إعلامية أو منبر ثقافي خاص كان أو عام، فلا شكّ ان علمهم على طاولات الغرب موجه لضرب هوية الأمة في المعتقد والسلوك والنسيح الاجتماعي المحافظ.
فمن علامات الزمن الرديء أن تُقرن الثقافة والتي هي روح المجتمع و رئته التنفسية بمن لا قيمة علميّة حقيقية له أو بحثية، فجلّ من يدّعي الثقافة فَلَو أجلسناه على مشرحة العلوم وفيما تخصص لوجدنا أن الحمار أثقف من ربعه و عيره، فهولاء لو كان عندهم من العلم لاستقاموا على مناهج تخصصهم، فكيف إذاً السماح لإعلامي أن ينشر إلحاده عبر منبره، وكيف لمن تخصص في الرقص أن ينشر رقصه من خلال المنبر الثقافي، وكيف أصبح مفهوم الثقافة محصوراً عند هؤلاء، فأين العقول .
فليس كل من عَلِم حرفاً على طاولات الغرب أو العلمانية في بلادنا ومتجرد من الهوية والسلوك أصبح من المثقفين ، وليس كل من حاز على التصنيف والتأليف وكدّس الورق وصاحب دعوة للفحش والرذيلة يصبح من المثقفين، فتلك طريقة الحُطَّاب؛ يظهر عوارها وتتلاشى هالتها عند الاختبار على مائدة الراسخين، فالثقافة معيارها الأخلاق وروحها السلوكيات يا عرب، ورحم الله من تفنن في فنّه، وحاد عن عواقب الأمور ويصبح من مزابل التاريخ.

السلام عليكم ..

=======================
كتبه : نورالدين الجزائري
20 ذو القعدة 1437م الموافق ل 23/08/2016


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire