Rechercher dans ce blog

lundi 14 juin 2021

مقال بعنوان " ما وراء تعليق عملية برخان في الساحل الإفريقي وانسحاب فرنسا من مالي فجأة " ... بقلم المدون نورالدين الجزائري

 

ما وراء تعليق عملية برخان في الساحل الإفريقي وانسحاب  فرنسا من مالي فجأة ..

 

عند بداية أحداث الشام وبالتحديد في أوائل 2012م كانت هنالك تقارير استخباراتية غربية تشير إلى أنّ قوة صاعدة لم يُحسَب لها الحسابات الصحيحة والدقيقة من قبل وفي ظل انفراد أمريكي بملفّها في العراق خاصة سينبثق أوّارها صاعدًا متخطية كل التوقّعات الأمنية والجيو-سياسية إلى حد خلط أوراق اللعبة في كل الشرق الأوسط ابتداء إلى آسيا وإفريقيا لاحقًا، تخلّل ذلك إلى المسارعة في وضع الخطط لهذا الرقم الصعب الجديد داخل عدة مناطق نفوذ يمكن له زعزعة الاستقرار السياسي والإقتصادي والإجتماعي، وحقيقة استبقت بعض الدوائر الاستخباراتية الغربية ومنها فرنسا خاصة إلى زج بعساكرها وعساكر مناطق السيطرة تحسّبا لتوسع هذا المارد في بيت مالها وبنوك نفوذها، الشيء الذي تحقّق فعلًا وبقدرة قادر بعد أن ارتكب الغرب أكبر خطأ استراتيجي في تاريخه جعله يتخبّط في حساباته إلى اليوم وهو إخراج الدولة الإسلامية من مناطق نفوذها وسيطرتها في العراق والشام ..

في 2014م دخلت فرنسا إلى الساحل الإفريقي تحت عملية #برخان مستبقة بذلك الدولة الإسلامية من خلال سياسة تمددها، وحينها كانت افريقيا في حسابات الثقب الأسود من ضمن استراتيجيتها التوسعية فقط ومن خططها الثانوية، إذ كان تركيز الدولة على قتال نظام الأسد وميليشياته ومن خان من الفصائل السورية المقاتلة وأدار الظهر للمشروع الكبير الذي وضعه الثقب الأسود على كل من كان خصما للإسلام المنزّل، كان الشغل الشاغل للمخابرات الدولية حينها كيفية اختراق صفوف الدولة للحد من استراتيجياتها في القتال على عدة محاور داخل العراق وسوريا، فكانت التقارير تشير إلى صعوبة واستحالة حصر نوعية القتال والتوسّع السريع والمبهر الذي حقّقه الثقب في خلال مدة قصيرة من قتاله للغرب بقيادة أمريكا والحلفاء، فرنسا حينها كانت من أوائل المشاركين مع أمريكا لقتال الثقب وكان جل عملها استخباراتي تغلغليداخل صفوف أكراد سوريا والبشمركة العراقية، فكوّنت من خلال ذلك بنك معلومات جعلها تستبق كل الحلفاء حتى تنزل بجيشها في مالي تحت عملية #برخان والمتمثّلة في قتال العناصر الإرهابية المتواجدة في الساحل الإفريقي حينها وهي JNIM أو ما يسمّى بجماعة نصرة الإسلام والمسلمين وحتى تكتسب الخبرة في قتالها لعدو لم يسبق لها مواجهته من قبل إلّا في العراق وسوريا وذلك من وراء أمريكا، ففرنسا ومن خلال برخان إنما استباقا لمواجهة الدولة الإسلامية مباشرة في الساحل الإفريقي من البوابة الليبية والتي كانت السبّاقة في تمدد الثقب في القارة السمراء ..

فمصائب قوم عند قوم فوائد، إذ تدخّل فرنسا في ليبيا والإطاحة بنظام القذافي كان الخطأ الإستراتيحي الفادح لأوروبا والذي لمْ تُعمل له الحسابات الصحيحة والدقيقة، فكانت الوبال والحمم على كل سياسات فرنسا في افريقيا ومناطق سيطرتها ونفوذها، ففي أوائل الأمور من عملية برخان لم تكن للدولة قدم قتال بعد في الساحل الإفريقي، فكان جل قتالها لجماعة القاعدة ومن والاها لبعض الفصائل القبلية، فما إن دخل الثقب الأسود إلى الساحل الإفريقي بعد أن خرج من مناطق نفوذه بليبيا وجدت فرنسا نفسها أمام عدو من طينة أخرى واستراتيجية مغايرة كالتي تتبعها القاعدة، فبَأس القوم والاستمالة في القتال والنزال جعل فرنسا تستنجد بحلفائها الأوروبيين وبأفريكوم لاستدراك الأخطار إذ المصير واحد، فسقوط فرنسا في إفريقيا بمثابة سقوط أوروبا وغلق لثروات ومكاسب هائلة للدخل الغربي عموما، فالمخاطر كثيرة على الأمن القومي الأوروبي والغربي استشعرته فرنسا بعد أن فشلت فشلا ذريعا في اختراق الدولة وقتل أمرائها على غرار اختراقها للقاعدة وما قتل دروكدال عنا ببعيد، فبعد أن اشتد الصراع بينها وبين الدولة في كل من مالي والنيجر وبوركينافاسو لجأت فرنسا إلى لعبتها القديمة في فرض الولاءات العسكرية من خلال الانقلابات العسكرية في التشاد ومالي مؤخرًا وذلك لفرض سياسات قتالية على الاصلاحات السياسية والاقتصادية وتحت خدعة أن لا يمكن للدول الإفريقية تحت نفوذها أن تنتهج نهج الإسلام الراديكالي وتدير ظهرها للعلمانية وكل ذلك لتبييض فعلها، فتخبّط فرنسا اصبح جليّا واضحا وفشلها امام مقاتلي الدولة بات شائعًا في كل افريقيا، الشيء الذي جعل من ماكرون يعيد كل حساباته قبل عام من الانتخابات الفرنسية وذلك بإلغاء عملية برخان من اساسها وكاستراتيجية فاشلة أمام تمدد الدولة الإسلامية في كل ربوع افريقيا  وإن لم تبوح بذلك فرنسا ..

وكما قلتُ مسبّقًا فمن يظن أن فرنسا ستخرج من الساحل الإفريقي بهذه السهولة فعليه أن يُذهب به إلى أوّل مصحة صحيّة فهو بذلك لا يفهم عقلية فرنسا في إفريقيا وكيف تدير امورها هنالك، فماكرون ومن خلال جنرالاته ومستشاريه العسكريين استبدل عملية برخان والتي كانت شخصنة في محاربتها للارهاب بعملية أوروبية اشمل وهي عملية تاكوبا Takuba تريد بذلك إشراك شركائها في بيت خيراتها ومالها المآثم والمواجع التي يتعرض لها الجيش الفرنسي وحده في إفريقيا حتى يتم تدفّق الخيرات من بترول وغاز ومعادن نفيسة لأوروبا وأمريكا ولكل العالم، فعملية تاكوبا Takuba هي عملية انتقال من أوحادية النظرة إلى شمولية المصير، فالعملية الجديدة ستحتّم على فرنسا في الطليعة وبدخول أمريكا بقوات خاصة ومساندة بالطيران المباشر وعبر الطائرة المسيّرة وكذلك دخول الصين وروسيا بمرتزقة سيعقّد في الأخير من العملية بكون تقاسم النفوذ والخيرات، وستشهد هذه القوات والتي ستكون متواجدة وبكثرة في الأشهر القليلة القادمة تكاتفا ظاهريا وأطماعا فردية يكون من خلالها فشلا آخرًا، فأمريكا وبكل جبروتها فشلت في الصومال وهربت اليوم منه ونقلت قواتها لتنزانيا، فكذلك روسيا تريد قدم نزال في افريقيا الوسطى إلى الصين التي تشتري الذمم الرئاسية عبر قروض سخية وبنية تحتية، إلى فرنسا التي تبكي اطلالا اليوم عبر اقتسامها لنفوذ لطالما تفرّدت به ولم تأبى القسمة، وكأنّ مشيئة الله جعلت من كل هذه الفسيفساء عدوا ظاهرًا قويا لكن بحكم التناقضات والأطماع ستجعل من كل شبر في افريقيا مكان يلعن هذه القوات المتواجدة في أرض لا تريد وجودهم ولا سياساتهم، بل أرض كادت ان تُجفّ من كثرة السرقات والنهب والمؤمرات على الإنسان وما ظهر من الخيرات وبطن ..

الصراع في افريقيا اليوم صراع من نوع آخر حقيقة، فالعقيدة مقابل المادة وصاحب البلد مقابل الغازي المتكبّر المتعجرف، فالأرض والدار تحن دائما لأصحابها رغم الاحتلال المباشر أو عن طريق الساسة الأفارقة، فإفريقيا تُحكم اليوم بعقلية الانقلابات وبعقلية القبائل، والولاء داخل البلدان الإفريقية للفساد والفوضة، فما جاء به الثقب الأسود سياسة وولاء من نوع آخر فكان ما لم يكن في حسبان فرنسا وأقرانها وعملائها في صراعهم اليوم مع الرجل الإفريقي التي همّشته ديمقراطية وعلمانية الغرب، ففرنسا تدرك أن إفريقيا اليوم بدأت تبتعد عنها شعبيا واجتماعيًا، وأن الجرح التي خلّفته من خلال الفقر وحرمان الفرد الإفريقي من خيراته جعله الآن يدخل في حرب معها وتقديم لها في آخر المطاف فاتورة استنزافها لبلده ولخيراته، والصراع اليوم صراع انتقام مقابل استحواذ وقتال عقيدة مقابل مادة، والغلبة في آخر المطاف لأهل الدار وإن اجتمعت عليه ملل النهب والنار ..

والسلام عليكم

================

كتبه : نورالدين الجزائري

بتاريخ 01  ذي القعدة 1442 هـ الموافق ل  11 /06/2021


mercredi 9 juin 2021

مقال بعنوان " وما بدلوا تبديلا " ... بقلم المدون نورالدين الجزائري

 

وما بدلوا تبديلا

 

صدق شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- حيث قال: " إنك تجد أهل الكلام أكثر الناس انتقالاً من قول إلى قول، وجزماً بالقول في موضع، وجزماً بنقيضه." إلى آخر مقالته في من ينتقل من حال إلى آخر ولم يثبت على ركن واحد رشيد  من اعتقاده، كالذي هو صلب العقيدة على جبل ثابت كجبل أحد عندما أمره رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالثبوت والثبات لا يبالي كيف تريد وتشتهي الرياح فتن الآخر، فمع ما نشهده من أحداث متسارعة كتعاقب الليل والنهار فإنّ القلة القليلة اليوم ثبتت على ركن رشيد توفيقا من الموفّق العزيز الحميد يُرى من خلالها الفتن وتقلّب النّاس من حال إلى آخر رؤية وعيانا كوضوح الشمس في أيام الصيف، فالصدق مرهون بالإخلاص ولا يلتفت للكثرة، كما أن الدّخن مرهون بالرّياء ويحب المدح والزحمة، فهما عدوان منذ النشأة الأولى لا يلتقيان إلا وقد بدت البغضاء بينهما أبدًا.

فمن فهِم الصراع فيعلم علم اليقين أن العدو واحد لا ولم ولن يتجزّأ في حربه على أهل الإسلام وديارهم، والنصوص واضحة في ذلك بيّنة، إلّا أن المنهج المتذبذب والسائد في ديارنا يحسن النوايا اتجاه العدو المحارب مسوّغا له المخارج، مدافعا عنه بحجة النصوص التي أصلها في عزّ الإسلام لا في وقت ضعفه ومحاصرته واتهامه بأن دين عنف وعقيدة لاغية للمخالف، فانظر يا عبد الله اليوم من يتصدّر المشهد ومن المخرج لتعلم أن دين الأكثرية اليوم مطروح في سوق النخالة لبيع مزيد من القضايا باسم سماح والتسامح والمسح، فلا دينا نصروا ولا عن عقيدة ذبّوا، تراهم جلّ أوقاتهم وشغلهم التربص بمن يريد إرجاع الأمّة إلى سابق عهدها يوم أن كان يُضطر الذميّ إلى أضيق الطريق وزمن من كان يُنعت بمن يريد بالإسلام وأهله بالكلب ويُذهب إليه لليؤدّب، فليت شعري عرفوا قدر الويل الذي هم فيه يسبحون، وليت شعري فسحوا الطريق والمجال لأهل  الصدق المخلصون، فالحال عندها غير الحال الذي نحن عليه من خزي وعار وشنار مضروب علينا اليوم من أمم الشرك قاطبة ومن أهل الردة والمجون.

أنبأتنا الأحداث أن القتال مأمن للعقيدة وأنّ الدماء برهان على صحيح التوحيد ومقاصد الشريعة، فالقتال من أجل أعلاء كلمة الله هو من أسمى ما يراد به ليكون الدين كله لله ولا يُعبد سواه ولا نرضى أن يكون له ند سبحانه، فلولا الفئة القليلة المقاتلة والصابرة والمحتسبة لكان بعضنا مع من يطبّل للطواغيت باسم الديمقراطية، ولبعض الجماعات باسم الأخوة الإنسانية، ولكنا أيضا أصناما لبعض المشايخ باسم المنهجية، والكل قابع مستحسن المنكر باسم الوسطية، فالحمد لله أوّلا وأخيرا ولمن علّمنا حروفا في العقيدة أنّ ما كان دين بالأمس هو دين اليوم، وأنّ المنكر (الشرك والكفر) يقابله السيف إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وأنّ محاولة البعض ثنْيِنا على صحة الطريق كمن يريد أن يوهمنا أن ماء البحر عذبا للشرب وكذلك المحيط، فمن كنّا نعدّهم جبالا في التنظير والتوحيد رأيناهم كيف انقلبوا على ما سطّروه بالأمس القريب، فعند المحن تُصقل الرجال بالفتن فمن كان معدنه خالصا فلا خوف عليه من الهشيم، ومن كان غير ذلك فالفلسطيني إلى القنيبي مرورا بالسويدان عبرة لمن اعتبر والفضائح بالميزان، فلا يأمن الحيّ منا الفتنة حتى يسأل الله الثبات في كل مرة وحين.

فالساحة اليوم أضحت مدرّسا ومعلّما لمن صدق لا لمن سبق، وكتابا مفتوحا لمن أخلص وأراد أن يتعلّم ويستبصر، فجل من في الساحة همّهم إرضاء الحاضنة والعباد وإنْ زيّنوا أعمالهم بالتقوى والتنظير، فخراج كلامهم اليوم شباب تائه لا يعرف من الإسلام إلا اسمه ورسمه، ولا يُعرف لهم عقيدة إلا من نسخ ولصق وقال فلان وعمِل علّان، لا يأبه أعداء الله لهذا الجمع بل عند النزال يُزجّ بأكثرهم في قتال أهل الصدق، فمن رُزِق الهداية وعمِل على ثباتها وإثباتها بإظهار الحق وبيانه وتبيانه فهو ممن قال فيهم المولى وما بدلوا تبديلا، ومن كابر وترافع عن الحق الذي مع القلة فنسأل الله له الهداية وأن لا يُختم عليه شقيا غير راض عنه وأن يردّه المولى إلى طريق من أنعم عليهم ليكثّروا سواد الأحبّة، فالله مولى من صدق وأخلص وخصيم من أعرض وانتكس ولله عاقبة الأمور. 


===================

كتبه : نورالدين الجزائري

بتاريخ 28 شوال 1442 هـ الموافق ل 09/06/2021 م

jeudi 3 juin 2021

مقال بعنوان " التصريح من العقيدة و التبرير من التقية " ... بقلم المدون نورالدين الجزائري

 

التصريح من العقيدة والتبرير من التقية ..

 

الحمد لله الذي جعل من العراق والشام الكاشفة للمنافقين قبل الأعداء، فالعدو معلوم القِبلة ولكن المنافق دائما ما تجده بالصفوف الأولى وعلى سفينة الفتن مع من يريد رسوّها إلى شاطئ الأمان، وهذه الأحداث التي تمر بها الأمّة اليوم من كشفت زيف أولا من تاجر ويتاجر بالعقيدة قبل القضايا، وعرّت أصحاب العقّارات عفوا الشعارات الرنانة والاسطوانات المشروخة عند كل صولة من الكفار على ابناء وحرمات الأمّة،  فمن المِحن تتلألأ جواهر النِعم { لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم}، فهي كالكمّادات اتجاه الجراحات التي ألمّت بالأمة من عشرات السنين، فما نراه اليوم فمن رحمات الله على مستقبل أهل السنة يجنبي منهم من كان صادقا في نصرة التوحيد والعقيدة ويهلك من هلك على علم وبيّنة ..

فالمرء مع من أحب وليخالل أحدكم من يراه قدوة في الفعل، ومدار الإنسان بمقدار ما تلقى من تربية وعلم، ولا يستوي الذهب مع الحديد ولا الطهارة مع النجاسة ولكل معدنه، فكم من فرقة عند اليسر تدعي العقيدة وعند العسر تنكشف  المعادن ومنها الفاجعة، فكم من أحزاب عند البدء أو التأسيس استبشر البعض بها خيرا وعندما دخلت العمل تبرأ الكثير منها من عرِف أسس بنائها وولائها إلّا من فقير التوحيد وجهِل مسائل العقيدة، فأحداث المنطقة وفي كل مرة ما هي إلّا خير المعيار والميزان الشرعي على الكثير ممن ينتسب إلى هذه الأحزاب والجماعات التي تدّعي الحق ونصرته في ميادين الملاحم والأشلاء، فمنهم من نحّ العقيدة وركِب وعود  المخرّب عفوا الداعم للقضية وعلى أن الأمور سياسة وضعية لا شرعية، ومنهم من اختلطت عليه الأمور ودخل سوق المساومات بما لديه من مكاسب تخدم هذا أو ذاك وانخرط بما حمل الجمل في مستنقع الويلات وما كان حصاده إلّا ندما، وآخرون بطروا الحق بطرا واستعلى الكثير منهم عليه وسوّقوا لأنفسهم المرجعية التامة في النوازل والأحداث بحجة معرفة نفوس الأفراد والجماعات وما هم عليه من عقيدة وما كان من الأحداث إلا أن هدمت شيطان تنظيراتهم ونصائحهم الساذجة، فاليوم نراهم في تخبّطهم فتارة مدحا لأصحاب السياسات الوضعية بحجة الاستضعاف، وتارة أخرى تراهم ينقضون أقوالهم من دون التبرأ منها بحجة عدم الوقوف أمام النوازل ميدانا، والحق واحد قديم، في الوحيين، وأمّهات الكتب، لن تغيّره حادثة أو نازلة مهما أراد القوم تكييفه نفسيا وخدمة لمن وراء من يحرّك القوم، فمولاة المؤمنين  نصوص فيهم واضحة ومعاداة الكفّار  والمشركين والمنافقين أيضا نصوص ذلك كضوء الشمس والبدر، واللعب بين المسافتين والولوج إلى خطوط النفس يخرج صاحب ذلك من الإسلام من حيث شعر أم غير ذلك، فمهما تكالب الأعداء فيبقى التوحيد والعقيدة صمّام أمان لمرض الكثير بداء الكلاب وما أكثرهم ..

فمصاب الأمّة من ضعف وهوان وأخذٍ للأراض واستباحة للمكان مرجعه جهل الأمّة ممّا أُنزِل من توحيد وعقيدة، وأنّ لا مساومة فيهما من باب السياسة الوضعية والتي امتطاها الكثير من الجماعات " الإسلامي "، وإنْ كان هلاك النفوس ولأموال وما اقتضته مقاصد الشريعة، فالتوحيد لا يُنتظر منه  التمكين بقدر ما يُنتظر منه بلوغ الحجّة، والعقيدة لا يُنتظر منها الكمّ بقدر ما يكون المرء على سيرة الأوّلين في التبليغ والتبيين، فالحجّة لازمة القلة فهم أهلها ومصدر العزّة والقوّة ودليلا القوم إلى النأيّ عن الظلمة والركون إليهم ولإملائتهم ومخطّطاتهم الهدّامة، فالحق محافظ على المقاصد وما تريده الشريعة، والباطل وإن أبقى عليها أو على بعضها فهي ذلّ في غياب سلطانها، فالنفوس والدماء إنما مرادها في سبيل الله وغير ذلك فالشيطان صاحب الحظوظ والجالب للذلّ والهوان،  فكيف بمن ارتمى في أحضانه وظنّ أنه من أولياء الله تارة أو من أهون الشرور تارة أخرى، فأفعال الناس ظاهرهم وأقوالهم من بليغ نواياهم على الراجح، فالظاهر يتبع القول عند الحجّة ولا يفترقان عند المناظرة، فلكل قول وفعل، فالتوحيد ميزان القول، والعقيدة ميزان الفعل، فلينظر المسلم ويعرض قوله وفعله على ميزان الأنبياء والرسل واتباعهم على ما كانوا عليه من تنزيل، ومثل هذا الصدق في تأصيل الأوّلين وبقاياهم من المؤمنين لهو عند الكثير مهلكة للحظوظ وما هم عليه من ضلال مبين.

فتصريحات من أفسد الساحة الدعوية والجهادية اليوم هم من تبنّوا أصلا صحيح التوحيد وصريح العقيدة عند التنظير بالأمس، ولمّا كان الإختبار لجؤوا إلى مكر الثعالب في الولوج والخديعة والقول على الله بغير الحقّ فزاغوا وأزاغوا معهم الكثير من الأفراد والجماعات، فتصريحاتهم منبع عقيدتهم وتبريراتهم أسّ تقيّتهم وما يبطنون، فكل شيء أصبح على المكشوف وأمرهم اتضح العامي قبل الخاص من أبناء الأمّة، والويلات اليوم إلّا من خبيئتهم وما يُملى عليهم من دوائر معروفة لخدمة السياسات والأجندات ومن وراء كل ذلك الأعداء، فهو دين يريدون أن يعتنقه أبناء الإسلام حتى يسهل عليهم التمكن من الرقاب والمصير، فهيهات هيهات.

فكل تصريح من جماعة أو أفراد إلا ولابد من عرضه على ما جاء به الرسول -صلى الله عليه وسلم-، ما وافق فهو الدين، وما خالف فهو الهوى المبين وذلك هو التوحيد الحق والعقيدة البيّنة، فالإصرار على الحقّ والمشي في طريقه ضريبته أصحاب الأخدود، والتبرير للهوى فمن مرض القلوب والنفوس وهو كتقية المنافقين يظهرون الايمان ويبطنون الكفر والعِنان، فالأحداث اليوم مشهد وشاهد على الفريقين، فمن أوكل أمره لله وبنى الصرح على مرضاة الله فهو على يقين من الوصول إلى برّ الامان في عزّ وتمكين وإنْ لقي مصرعه فتلك بيعة لله وصدق اليقين، ومن أصرّ على اتباع هواه وظنّ أنه طريقه للخلاص فقد أُوكِل إلى مخذول لا حول له ولا قوة وإن ادّعى ظاهرها وفي الأخير خزي وعار وشنار ومأواه الخسران المبين، فالسنن لا تحابي أحدا ولكن أكثر الناس لا يعلمون ..

السلام عليكم

 

=================

كتبه نورالدين الجزائري

بتاريخ 12 شوال 1442 هـ الموافق ل 2021 /05/24

مقال بعنوان " أمريكا بين الانسحاب من افغانستان وملف ايران النووي " ... بقلم المدون نورالدين الجزائري

 

أمريكا بين الانسحاب من أفغانستان وملف ايران النووي

 

 شهِد العالم الإسلامي أحداثا عظاما من 2001 م إلى اليوم، جعلت من الغرب وعلى رأسه أمريكا يكشف عن نواياه الحقيقية اتجاه المسلمين وعقيدتهم وثرواتهم، بدأتها أمريكا بغزو أفغانستان إلى الإطاحة بنظام البعث في العراق وانتهاء بحربها على فئة من المسلمين فهِمت خيوط اللعبة من بدايتها إلى الآن، دمّرت وقتّلت وشرّدت وبدّلت الجامد إلى ليّن والمتحجّر إلى جارٍ عبر تحالفات معهودة وأخرى متناقضة، استطاعت من خلال كل هذه الايديولوجية أن تتحكّم بخيوط اللعبة في الشرق الأوسط من سياسة واقتصاد وثقافة وتغيير ديمغرافي جعلها المرجع لدويلات المنطقة حركة وسكونا لكل سياسة أو استراتيجية على أن خراج اللعبة يرجع بالفائدة لساكن البيت الأبيض، ومن منا لم يعاين ذلك من بوش الإبن إلى ترمب مرورا بأوباما، فقد أطاحت أمريكا بحكم طالبان نهائيا، طالبان الملا عمر وخلّفت على إثر ذلك طالبان اليوم والتى جعلتها تؤمن بما تؤمن به أمريكا من مراجعة فكرية وايديولوجية لكل مرحلة.

فطالبان الأمس ليست بطالبان اليوم والبون واسع وشاسع عقائديا وسياسة، وطالبان الأمس استطاعت أن تحكم كل افغانستان في سنين عديدة من خلال قضائها على أمراء الحرب الفاسدين، بخلاف طالبان اليوم والتي جعلتها أمريكا تؤمن بالديمقراطية والتداول على السلطة سلميا من خلال مفاوضات مباشرة بين الطرفين في قطر ومن قبل ذلك في باكستان، وجعلت امريكا من طالبان تؤمن بالحدود ومفهوم الوطن والوطنية، ولقّنتها دروسا في الديبلوماسية بحيث صرّحت طالبان أكثر من مرة نيّتها الحسنة اتّجاه عدوها بالأمس روسيا ولدول الجوار، إلى أن دخلت في مفاوضات مع الحكومة المركزية بقيادة أمريكا، وكل ذلك تمهيدا لانسحابها من البلد بعد أن حقّقت الهدف المرجو والاستراتيجية من غزوها لإمارة الملا عمر.

فأمريكا اليوم ستنسحب من أفغانستان بلا شك صورة ومظهرا وإعلامًا ولكن فرّخت جندا داخل طالبان ناهيك عن العملاء في الجيش الافغاني إلى صحوات الأقليات من الهزارة والطاجيك والبلوش والمستعدين لحماية المكاسب السياسية من خلال حرب امريكا على أفغانستان، وأمريكا تدرك اليوم هشاشة المشهد السياسي والعسكري القائم في البلد بعد الانسحاب، فلذلك طلبت من باكستان بحكمها زعيمة الباشتون وإيران زعيمة الهزارة بسد الفراغ الأمني وتأمين الانسحاب بشكل سلس ومن دون فوضى وبخلاف انسحاب الاتحاد السوفياتي من أفغانستان بعد الغزو، فمخاوف أمريكا كبيرة والرهان على طالبان وباكستان وإيران في حفظ الأمن من الإرهاب الدولي والعابر القارات المتمثل بالثقب الأسود مسألة سمعة وتعهّدات ومن خلال حزمة اغراءات سياسية ومالية واقتصادية.

فأمريكا ما ضمنت خراج الإنسحاب إلّا بعدما أخذت تعهدات من طرف عدة بلدان ستستمر في نهجها بمحاربة العدو المشترك لهم جميعا، لكن بعض جنرالات أمريكا ومن أبرزهم بيترايوس غير راضين من هذا الانسحاب وغير مقتنعين بقدرة طالبان للتصدي للثقب الأسود، وفي تقرير استخباراتي جدّي يظهر مدى تعاظم قوة الدولة ومخاوف مؤكدة من انشقاقات داخل صفوف طالبان لمواصلة القتال بعد الانسحاب وعدم الرضا بالعملية السياسية المبرمة وانزلاق الحركة في السياسات الإقليمية والدولية المنافية لعقيدة بعض من بقي على نهج طالبان الملا عمر، فأمريكا فكّكت تقريبا عقيدة طالبان ايديولوجيا وجعلت الحركة تستشير باكستان أمنيا وإيران سياسيا ما جعل أمريكا تستبشر خيرا لدور إيران في استمالة حركات التمرد لصالح البيت الأبيض، فأمريكا لها دين على إيران إبان غزوها لأفغانستان والكل يتذكر مقولة محمد الأبطحي مستشار خاتمي أن لولا إيران ما استطاعت أمريكا غزو افغانستان والعراق .

وهنا لابد أن نفتح مسألة حتى تُضبط وتُفهم الأمور سياسيًا وما يراه البعض تناقضا بين دول معيّنة في السلم والحرب، فلا يجب الخلط بين المصالح السياسية والخطوط الحمراء الاستراتيجية في سياسة الدولية بزعامة الدول القوية كأمريكا والصين اليوم، فالمناورات السياسية الخارجية المسموح بها هي التي لا تتعارض مع المصالح المشتركة للشرطي والمتمرّد، ولا يُسمح بالمناورات الاستراتيجية التي تخدم الأخير فقط كالذي تريد أن تريه إيران لشعوب المنطقة، فذلك مس للأمن القومي لبعض الدول البوليسية ومنها تعطيل المصالح الضيقة للمتمرّد والمساومة على شريان تنفّسه من خلال أوامر معينة.

ومن هنا لابد أن تُعلم الحقائق الخفية للبعض أن وجود ايران من مصلحة أمريكا، ولولا أمريكا ما وُجِدت إيران وذلك للدور الذي تلعبه هذه الأخيرة في ترسيخ سياسات ايران في المنطقة العربية، فوجود أمريكا بوجود ملف ايران النووي، والمساومة على الملف يقابله امتيازات وتمدد في المنطقة العربية .

فالمفاوضات الأمريكية الايرانية اليوم بالنمسا والمؤشرات الايجابية لكل الأطراف ما هو إلا غطاء لعدة ملفات داخل الملف النووي خاصة المساهمة في حفظ الأمن بأفغانستان من خلال الانخراط في احتواء طالبان سياسيا ومعاونتها في حربها على الارهاب من خلال الهزارة يقابله انفراجا بالملف النووي.

و السلام عليكم

=============

كتبه نورالدين الجزائري

بتاريخ 06 رمضان 1442 هـ الموافق ل 19/04/2021