Rechercher dans ce blog

lundi 22 août 2016

مقال بعنوان " إنّما النصر صبر ساعة " بقلم المدون نورالدين الجزائري


إنَّما النّصر صبر ساعة ..


دعني أولاً أخي القارئ والباحث والمتابع معي في شؤون الأمة والعالم أن أنبّه وأنوّه إلى شيء مهمّ ، أنّ النصر وتصوره لديك ليس دائما هو ذلك النصر برفع الراية والقضاء على العدو في ساحات الوغى بعد انتهاء الحرب، بل هو ذاك النّصر المؤزر ذو المفهوم الشامل والعام والذي هو ثمرة الصبر والمصابرة وبذل النفس والنفيس والطاقة والاستطاعة لحسم الصراع مع الأعداء، لكن دعني أطّلعك كيف يأتي النّصر المنشود والذي سيجبر العدو على تركك وعدم الالتفات إليك ربما نهائيا أو نقول لعقود ..
فكما أنّ للنصر مقدّمات وهو ما حثّنا عليه الشارع الحكيم، فإن له أثناء بداية المعركة وخلالها استراتيجية متكاملة المنظور في أبعادها وتطلعاتها وتصوراتها، وتخطيطات منهجية دقيقة الأهداف والرؤى، لا يمكن للإنسان العادي المتابع رؤية ذلك أو استشرافه من خلال ما يدور ويحيط به من نزاعات وحروب وقلاقل مذهبية وطائفية، ومن كلامي عن النّصر المرتقب الذي نتوق اليه جميعا وننتظره رغم كل هذه الأشلاء والدّماء والخراب والدّمار والتشريد واللجوء ليس مما سوف يُتخيل لك على أنّه سهل المنال، بل يقوم على سلسلة أعمال بدأت أول استراتيجيتها من هجمات سبتمبر 2001، والذي أدخلت العالم في عالم ليس بالذي كنّا نعرفه أو خطر على بال أحد منّا، فأصبحنا نعيش في هولٍ ناتج عن هذا التّحول الخطير في العالم بأسره ..
فبعد سقوط المعسكر الشرقي وجدت أمريكا نفسها قطبا أوحدا يحكم العالم نفوذا وهيمنة، فحرب أفغانستان كلّفت امريكا وأبقارها عشرات الملايير من الدولارات، مما أدّى بعد انتهاء الحرب ألى ركود اقتصادي عالمي نسبي نوعاً ما، ولكن امريكا وأوروبا كانوا الأقل ضررا من هذه الحرب وأكثر انتفاعا، ممّا أدى إلى الهيمنة على المنطقة العربية والتّحكم في النفط ومشتقاته والدفع بالماكينة الاقتصادية الغربية على حساب خيرات الأمة بتواطؤ مفضوح، مرورا بشركات النفط العالمية وعلى رأسهم الشركة الامريكية العملاقة هولي-برتون ..
فإن ضعف بلدان العربية وتمويلهم لحربين متتاليين، حرب أفغانستان والحرب العراقية الإيرانية، أدى بالأطماع الغربية إلى استغلال الفرصة لابتلاع منطقة الشرق الأوسط بأكمله، فبعد أن كان الغرب وعلى راْسه امريكا تأخذ النفط بأسعار زهيدة، ابتلعت العراق وخيراته أولا بعد استنزافه مع ايران وما كان على العرب إلاّ الموافقة وكَهِبَة وهدية منهم لتحرير امريكا للكويت، فأرادوا أمراً وأراد الله أمراً آخراً وما يكون إلاّ ما يريد، فدخلت أمريكا العراق غازية بعد أن دخلت أفغانستان مدّمرة بعد أحداث سبتمبر 2001م، وعوض أن تلقى ترحيبا لقت مقاومة وجهاداً  كَسُر أنفها من خلالهما واستُنزفت عسكرياً واقتصادياً ومادياً، وحُدّ من نفوذها عالميا ببروز قطبين جديدين، أحدهما حديث نشأة وهي الصين، والاخر من أنقاض قطبٍ منافسٍ قديم جديد للولايات المتحدة الامريكية وهي روسيا ..
ففي دراسة للكونغرس الامريكي من اللّجنة الاقتصادية المختصة في نفقات الجيش الامريكي للحرب على العراق فقط من 2003-2008م بلغت القيمة الإجمالية لاحتلال العراق طبقا التي نشرها كل من البروفسور جوزيف ستيغليتز عالم الاقتصاد الحائز على جائزة نوبل، والدكتورة ليندا بيلميز الأستاذة في جامعة كولومبيا، واعتمدا فيها على عشرات الوثائق الرسمية وبمعاونة جمعية المحاربين القدامى التي يسرت لهم هذه الوثائق، إلى أن كلفة احتلال العراق بلغت 1.8 تريليون دولار ( الف وثمان مئة مليار دولار )، وزد على ذلك ما قال نعوم تشوميسكي الفيلسوف والاقتصادي الامريكي إلى أن التكلفة الإجمالية للحربين على أفغانستان والعراق تجاوزت 4 ترليون دولار ( أربعة الآف مليار دولار ) فيا للهول من الفاجعة التي حلّت بأمريكا ومن يدور في فلكها من سياسة واقتصاد وتبعية، فالفاتورة جدّ ثقيلة وخيالية وجنوبية على الجميع، وهذا ما أدّى إلى إفلاس العالم بداية 2009م وما شهدناه من ركود اقتصادي عالمي حاد حيَّر أعتى الاقتصاديين العالميين، وَمِمَّا أدى بهم إلى الجهر بافلاس العالم الغربي ..
إنّ عواقب هذا الافلاس تخلّلته استراتيجية ممّن استدرج امريكا إلى المستنقع الافغاني وخاصة العراقي، حيث كان عدد قتلى الأمريكان في العراق وحده اكثر من 33000 قتيلا، ناهيك عن عشرات الآلاف من المعوقين بنِسَب متفاوتة، فأضطّرت امريكا إلى الانسحاب وغلق الباب من وراءها، والتحكُّم ما بقي لها من نفوذ من نوافذها في المنطقة وأنّه في زوال واضمحلال ونزيف حاد ..
إنّ امريكا وعت وتعلمت الدرس من أخطائها القاتلة في حروبها بالأمس القريب، فإنها اليوم تقاتل من أجل البقاء بسواعد الاخرين، تقاتل بالنيابة بمال المنطقة وأذرع المرتزقة فيها من دول وطوائف و صحوات، تقاتل بالمشورة والتوجيه لأبقاء المخططات والهيمنة وتخفيف الضغوط والحد من الاستنزاف، فالدّول التي تقاتل معها كروسيا على رأسهم إنَّما حالها ليس على ما يُنظر إليه من الواجهة الإعلامية، فخبراء بوتين واقتصاديوه يدقون جرس الانذار في روسيا وأن التكلفة الحربية على سوريا ومساندة بشار في طورها الأخير، وأن البلد على حافة أزمة اقتصادية خانقة ولا يمكن لموسكو تحمّل المثير من الاعباء، فالوقت ضد القيصر بوتين ولا يخدمه في هذه الآونة الاخيرة من تدخلاته في المنطقة؛ وكما أن ايران دخلت بخيلها وخيلائها على الارض فهي في حالة استنزاف حاد إلى أبعد حدّ، فها هوَ مساعد وزير الصحة الإيراني يعلنها مدوية بأن ثُلُث الشعب الإيراني تحت خط الفقر ممّا ينذر بثورة جياع من هذا التدخل في أمور المنطقة واحتلال أربعة عواصم عربية مباشرة وهذا ما لا يمكن ان تطيقه ايران على المدى المتوسط، فإنّه استنزاف من نوع آخر، وعلى من أراد احتلال البلاد الاسلامي أن يتحمل تبعات الإنفاق والإعمار وليس السرقة والنهب لتمويل الحملات، فذلك من الانتحار الناعم، والموت البطيء ولو بعد حين ..
إنّ الله يدافع عن الذين آمنوا، يدافع عن المستضعفين، يدافع عمن قاتل ليكون شرعه الحكم بين عباده، فلا تحسبّن الله تارك المحتّلين بغير عقاب، فمن يظن ذلك إنَّما ظنه بغير مراد الله، فإنّ القوة لله جميعا، فمن حمل على عاتقه مقارعة ملل الغطرسة والكبرياء العالمية فإنّه وطّن نفسه لحسابات واستراتيجيات ومخططات استدرج بها العدو إلى الدِّيَار للقضاء عليه ولو كلّف ذلك الأشلاء والدّماء والدّمار، فهذا قدر محتوم والأمّة ضعيفة، ومن بيده مقاليد التمويل فهو في حلف الأعداء، فتكالب الجميع على المسلمين لا يمكن ان يذرهم رب العالمين فما يريدونه من استقواء على خيرات الأمة ومستقبلها، فإنّهم دخلوا في حرب مع الله فمن يقوى محاربة الله رب العالمين ..!
إن الصادقين من هذه الأمّة تجردوا من حولهم وقوتهم إلى حول الله وقوته، فأذعنوا للسنن الربانية بالعدة ما استطاعوا، وما لم يقدروا عليه وخرج عن استطاعتهم أوكلوه للعزيز القدير، فقارعوا ويقارعون إلى الآن في شتى الميادين أعداء الملّة والدين، وربك أوكل جنوداً تنخر من أموالهم واقتصاداتهم، فما نراه اليوم من أزمات مالية واقتصادية لهو عونٌ للمسلمين مستقبلاً، وَلَهْو من السنن في هزيمة من تكفل الله بهزيمتهم وخرج من حساب الصادقين وقدرتهم، فهو استنزاف رباني على كل الأصعدة الحيوية، فوعد الله قائم والسنن على قدم وساق لهزيمة الأعداء على صعيد واحد، وكما انّ روح الجهاد المال والرجال، فإن كان في سبيل الله بورك فيه والنصر لأصحابه، وإن كان غير ذلك فسحقا وبعدا له ولأتباعه، وما قول الله لمن أمن أن عليه الصبر والمصابرة، وأنّ هذا هو المفهوم الآخر للنصر وأنّه صبر ساعة، فالضريبة وإن تجلّت للبعض بأنّها باهضة فلابد منها، وللحرية باب من الدماء والاشلاء وعلى الأمة دخوله، وبعدها العزة والتمكين، وما النّصر إلاّ من عند الله ..

السلام عليكم ..

===========================
كتبـــــــه : نورالدين الجزائري

19 ذو القعدة 1437 ه الموافق ل 22/08/2016



Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire