Rechercher dans ce blog

lundi 4 octobre 2021

مقال بعنوان " ظاهرة السياسي الشعبوي "... بقلم المدون نورالدين الجزائري

                                

ظاهرة السياسي الشعبوي...

ــ إيريك زمور أنموذجا ــ

 

عند انحصار وانصهار الإمبراطوريات وذلك من سنن الله الكونية فلا بقاء إلّا للمعدن الصافي النقي ممن اختار واجتاب لقيادة البشرية عند فلول التطرّف الفكري باسم العرق والشعب المختار، فإن تبعا سيكون لبعض الدول التي كانت تشكّل احد اسس وهيكل من هياكل الغطرسة تبعات الانهيار وكشفا للوجه الحقيقي لمن كان مرارا دهّان دكاكين المتاجرة باسم ما نعيشه اليوم من ديمقراطية ومساواة بين الناس على اسس التنافس، بل إن من مفرزات انهيار الايديولوجيات والمغطاة بالديمقراطية نشوء الإقطاعية والفاشية الفكرية والرؤية الآحادية للاستعلاء في أوقات الفراغ الناتج عن الإفلاس السياسي والفكري لهذه الحضارات الوضعية والتي كانت عبر التاريخ وأحداث صفحاته مليئة بالظلم للأقليات التي تمثّل رقعة من النسيج الإنساني للبلد مهما كان دينها واعتقادها وتجمّعها على اساس فكرة او فلسفة معيشية مكوّنة او مستوردة ..

فالسقوط السياسي يتبعه السقوط الأخلاقي وهي معادلة لا يمكن فصلها، ولابد للثاني من اتّكاء على أسباب واهية ووهمية للبروز والخروج للعلن، فعند السقوط تُبرز  اصوات ويُعلى صوتها باسم الرجوع إلى الأصل والمتمثّل في انتاج قيادة تخطف المشهد السياسي المنهار وتبني على انقاضه نزعة عنصرية ترى من خلالها حلّا حتميا للخروج من الأزمة بتقزيم الاختلاف والنوعية في المجتمع المنهار، والانهيار لا يعني بالضرورة  الكوارث السياسية والإقتصادية كالتي في بعض دول إفريقيا وفنزويلا إلى الأرجنتين، بل الإنهيار والإفلاس يكون اشد فتكا في الدول الغنية والقوية على الصعيد الإقتصادي عند افتقارها للحلول الإجتماعية وذلك ناتج للحريات الفردية والتي قنّنتها باسم النموذج المعيشي للبلد حتى نخرت النسيج الاجتماعي والثقافي والرؤية الصائبة لمعنى دور الفرد في المجتمع، فأمريكا اليوم تنهار داخليا وأوروبا تسقط تبعا في هذا الانهيار وللتعريفات اعلاه، فالنموذج الديمقراطي انحصر وانغلق في لعبته عندما ادرك أنّ سنّة العدافع لا تخدمه بل تهدمه، فما نراه اليوم من حرب على أقلية مسالمة في المجتمعات الغربية إنّما ذلك لخطورة الوضع التي وصلت إليه بعض البلدان الأوربية ومنها

خاصة فرنسا وما نشاهده من بروز اليمين المتطرّف والذي كان بالأمس تابوهًا إلى أن كشف عن أنيابه ووجه علنا ومتمثّلا في سياسة دولة بأكّملها ناهيك عن الساسة وبعض المهرّجة الذي فتح لهم الإعلام العنصري المقام والمقال للبروز وطرح افكار كانت تُتداول تحت الطاولات عند البحبوحة واليوم نراه علنا ووضوحا عند افول اقتصادات بعض الدول والتي كانت أحادية التأثير في المستعمرات إلى أن اصبحت في خطر المنافسة وربما التقليل من السياسات والنفوذ أمام القِوى الأخرى الصاعدة كالصين وروسيا وتركيا ..

فالأزمة اليوم في الغرب وخاصة في أوروبا وظهور الأحزاب العرقية اليمينية أزمة تدافع رباني قبل كل شيء، ويليها بعد ذلك فشل السياسات القديمة في إدارة الثروة الإقتصادية والثقافية،  إذ الأقلية الحاكمة انتهجت التمييز العرقي والنظر الى الرجل الأبيض دون الآخر والمساهم في الثروة حتى سقط السياسة التقليدية ومعها رجالها وبرز آخرون على انقاض رسوب الأوّلين ممّا أدى إلى دغدغة من مسّته الأزمة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا، فركوب موجة التغيير يكون على متنها قوارب وبواخر بقدر حجم ايقاظ النزعة الطائفية، فمن سنوات قليلة كان اليمين المتطرّف في أوروبا مهمّشا إلى أن اصبح معتبرا وعليه تدور حسابات سياسية وتُبنى عليه آراء وحلول انتخابية، فالعنصرية والفاشية تتغذى من الفراغ السياسي ومن فقدان المبادرة في التغيير، ينتج من خلال ذلك الانتهازية في الحلول والقفز على الفشل وجعله أرضية تنديد ومسّ للجراح والتي تكون مطلبا شعبوية (فئة من الشعب) لا شعبيا ينتج من خلال ذلك ظهور كالمدعو في هذه الأوقات بـ إيريك زمور راقصا على انقاض انهيار ايديولوجي وفشل في السياسات الداخلية والخارجية لفرنسا ولسان تعبير يتكلّم باسم طبقة حاكمة وخفية تفتخر بكونها صهيو-صليبية (judéo-chrétienne) تخدم المسيحي والسيّد اليهودي على حساب أقليات وخاصة الأقلية المسلمة والتي تُمثّل  خطرا قادما على وجود مثل هذه الايديولوجية الهدامة للنسيج الإجتماعي والتي تخدم فئة قليلة وتهمّش الأكثرية ممن لا يشاركهم الأمر سياسيا وايديولوجيا ..

فالتاريخ لا تُدوّن صفحاته من خلال الأيديولوجيات المتنوّعة والمتفرّقة في المعتقد، بل صاحب الصفحات وحبر التدوين من سيذكره كتاب التاريخ من خلال بصمات مشرقة ومشرّفة باسم التعايش العرقي وللتاريخ شهود من كان يعيش تحت حكم المماليك في الأندلس، ولازالت عقدة الإسلام عند ساسة الغرب هو طروادة الخوف والتخويف للنسيج الإجتماعي الآخر توجيها احيانا وجهلا بالسياسة المتّبعة احيانا اخرى، وعطفا على الفكرة في المقال فإنّ بعد تشرّب البعض لصراع الحضارات حتميا فالآن يستخلصون من هذا الصراع على أنّ سنّة التدافع هي من قضت على حضارات الرجل الأبيض بسياسته وايديولوجيته العنصرية ورؤوا في تآكل الديمقراطية من الداخل من خلال اللعب والكذب على اطروحاتهم اصلا وهو الانهيار الأخلاقي وكمعيار لفساد دين الديمقراطية برمّته من افراد ومؤسسات إلى جمعيات خيرية كانت ولا تزال تفضّل العرق والدين للانخراط في ظلّها، فظهور الكاريزمات اليمينية اليوم في كل أوروبا نتاجه فشل سياسات أسلافهم العنصريين بأقنعة التسامح، فقد أسقط التدافع أقنعة الغرب الصليبي وها هو وجهه القبيح لا يقبل إلّا قبيحا مثلهم وهو خطر مرحلي على بلدانهم قبل أن يكون خطرا على الآخرين في نهاية المطاف ..

فلقد شدّني تصريحا للصحفية الأمريكية (أماندا تاوب) في مقال لها في النيويورك-تايمز على أن صعود العنصرية والذي أشارت إليها بالشعبوية البيضاء مفاده ثلاثة عوامل رئيسية اجتمع على دراستها ومنها نتيجة البحث عدة علماء اجتماع داخل أمريكا ومنها بروز نجم ترمب وأفوله وهي:

١- الخوف من التغيير الإجتماعي ..

٢- الخوف من التهديدات الإرهابية والتهديدات الجسدية الأخرى ..

٣- أزمة الهوية ..

فالملاحظ لهذه العوامل الثلاثة التي بنت هيكل الأحزاب اليمينية وماء عينها ولُعاب ألسنتها تراها يدندن عليها اليوم في الإعلام كأفكار يمكن ولابد البناء والارتكاز عليها لاسترجاع السيادة الوطنية وكأن الأمر كان في يد الأقليات المُحاربة انتخابيا على أنّها صاحبة الفشل السياسي والأزمات الاقتصادية في كل من فرنسا وبريطانيا وهولاندا وبلجيكا وألمانيا والنمسا والمجر وبلدان اخرى ..

فزبدة الكلام ان ما نشاهده اليوم هو تصادم الأفكار والايديولوجيات وفي مثل هذه الحرب المعلنة الآن وعلى المباشر فالظالم هو دوما ودائما صاحب المبادرة في اتّهام من كان لبنة بناء ومحايدا سياسيا خاصة وأنّه هو صاحب الهدم لسياسات البلد اقتصاديا وديمغرافيا واجتماعيا، فالحرب الإعلامية على أشدّها بين مدّعي ومتّهم غير موحّد ليدافع عن نفسه، بل ستُنقل المعركة الى الأقليات وهنا اعني الأقلية المسلمة وبعض السود وذلك لحصرهم في خانة الاتهام بشتى التُهم التي ستخدم مرحلة بزوغ الوجه الآخر لسياسات البلد المعني، فاتهام الاسلام السياسي مرجعية وأرضية حتّى لا يُتكوّن حزبا يكون ابناء تلك المرجعية السياسية من المسلمين وكي لا تُرجّح الكفات الانتخابية، وهذا ما في تصميم وخطط الساسة في أوروبا وتمثيل وتجسيد لرسالة شعب أثينا إلى ميلوس حيث جاء فيها : الأقوياء يفعلون ما يريدون والضعفاء يعانون مما ينبغي عليهم فعله ..

والسلام عليكم

 

====================

كتبه : نورالدين الجزائري

بتاريخ 22 صفر 1443هـ الموافق لـ   29/09/2021