إنّها السنن وربّ الكعبة ..
عند اشتداد الحرب في سوريا 2014 م، وقبل خلط الأوراق من طرف
المجتمع الدولي على الجميع، لإضعاف شوكة المجاهدين والإطاحة بنظام الدولة العميقة
في المنطقة، ويتحرر المسلمون من الهيمنة الصليبية والنظم الوظيفية، كانت الراية
واضحة المعالم، نقيّة الصف من غير طلاسم، وبعد أن دعى من كانت له الخبرة وباع في
مقارعة الأعداء بكل أطيافهم ونِحلهم أن ادخُلوا الصفّ تحت راية واحدة ولكم بعدها
الثمار والمغانم، استنجدت المخابرات الإقليمية منظّرين، وعلماء، وشيوخ، ودعاة،
وطلبة علم، أُختِروا بعناية كحربة في صدر من يحمل هذا المشروع وكخنجر مسموم لوأد
مثل هذا التوجّه الخطير لإحياء الأمّة، وما هم في الحقيقة إلّا أعداءً رسميين لهذه
الراية وهدف لطمسها وتنكيسها، ولإبقاء المسلمين تحت حكم الطواغيت وتشريعات الأمم
المتحدة والوصايا الدولية، حينها طالب هؤلاء من أصحاب الراية الرجوع إلى أوكارهم أو
الإندماج تحت الرايات المعيّنة والذوبان في مشاريعها، فتخندق الجميع من مصر إلى
المغرب مرورا بالأردن والكويت والجزيرة العربية وحتى إلى بعض العواصم الغربية،
متوعّدين الصادقين بمصطلحات أم الكتب الفقهية وإنزالها فيهم نكاية برفضهم كحماة
للدين ولحراسة العقيدة ورفع لواء ذروة سنام الإسلام ولمشروعهم الوجودي وهدفهم
المستقبلي للذب عن الإسلام والمسلمين، فكانت لهم الشوكة ونالوا من الصف حتى فرّقهم
الله إلى مليشيات ومزّفهم شرّ ممزق، ومن السنن أن إذا أوذي وعودي جندٌ أو عبادٌ من
ممن اختصّهم الله بعنايته ومعيّته فإنه سبحانه وتعالى هو من يتولّ الدفاع عنه،
ومحاربة من مكر عليهم، ومن يتوعّد الله فمآله الخسران والهوان ..
إنّ من ضمن المُصِرّين على عودة
الصادقين ، من أين جاؤوا ، والمشنّعين عليهم باسم تخريب ثمرة الثورة وجهاد
السوريبن، والذين بعدها أمروهم بالانشقاق والاندماج تحت راياتهم هم اليوم من بأسهم
شديد بينهم، وما أشبه اليوم بالبارحة، فالفصائل التي نادت البارحة الصادقين
للانقراض والخروج من سوريا والتي تخفّت وراء المنشقين عن الصادقين هي اليوم تنادي
هذا الفصيل بأن ينصهر تحت راياتهم أو يحلّ نفسه ويعلن براءته من ذروة سنام الإسلام
إرضاء للغرب وعلى رأسه أمريكا وروسيا، فالجزاء من جنس العمل، وفقه التنازلات مرض
عضال لكل فصيل مقاوم، وكما قدّمت باعا فحتما ستقدّم ذراعا، وكما تتنازل عن المبدأ
الواحد سيطالبونك بالمبادئ الأخرى، وحتما ليس من العقيدة والأصول أن تتنازل وأنت
على حق وإن فعلت فقد لبست ثوب الباطل من حيث لا تعلم وإن أتيت بكل المبررات
الشرعية ومن فقه الواقع ..
إنّ ما نراه اليوم ونعاينه من
حسم المعركة لصالح نظام بشار ومن وراءه إنّما أصله سياسات هذه الجماعات الوطنية
المرتدية لباس الإسلام زورا وبهتانا والإسلام منها برآء، فإنّ الهزيمة في المعارك
ليست بفقدان أرض أو موقع أو مكان استراتجي من هنا أو هنالك، إنّما الهزيمة
الحقيقية عندما تيأس وتذهب عنك الإرادة القتالية، وتصبح رهين وعود بالية، والسبب
وضع المكاسب قبل شدّ المسالب، والحلم بالمنتفع قبل إنزاله من المرتفع، ومن السنن
أن يُفتضح هؤلاء وتعيّرهم الأوقات وهذه بتلك، فالأمور من مكر الله ولا غير، ومن
عاد لله وليا فالنتائج ما نراه اليوم من استجداء للطواغيت، فلا حاجة لله بهؤلاء
وليذهبوا لشركائهم الذين كانوا يدعون ويناصرون عند مفترق الطرق من الجهاد الشامي،
فاليوم لا خيار أمام من الناكث وجنده إلا الموت بسيف الأعداء، وكأن الله سبحانه
وتعالى يريد من هؤلاء حسابا عنده ولا غير في اليوم الآخر، ومن حكمته أنه لم يمكّن
للصادقين من رقاب الغادرين في خاسرة الجهاد برمّته في هذا البلد العزيز، ويمكر
الله وهو خير الماكرين .
إنّ اللّوم كل اللّوم على المنظّرة
وبعض السرورية ما أصاب المشروع الجهادي في سوريا اليوم ، ولم يكن تنظيرهم من علم
بل من إملاءات واستجداءات من طرف العمالة للمنظومة الدولية، فالتبريرات أصبحت لا
تنفع ولا تنطلي مع أبسط المسلمين ناهيك عمّن تصدّى لأهوائهم وما كانوا يطلبون،
فالحمد لله أن ثبت الصادقون ولم يبالوا لتأصيلاتهم الجوفاء، ولمصالحهم الشخصية
العرناء، فإنّ ما وصلوا إليه وما أوصلوا من رسائل للمسلمين فقد باتت نهايتهم وأفول
نجمهم قاب قوسين أو أدنى، ففصيلهم ذاك سينتهي حتما بإلقاء السلاح الخفيف والثقيل،
وسيندثر قادته ويزولون تحقيقا لا تعليقا، فإنّهم سيكونون بذلك قد مضوا على سجلّات
وفاياتهم بأيديهم مع سبق الإنقراض، وحينها سيُقبرون في مزابل التجارب البائسة
واليائسة بلا رجعة، وربكّ قد قيّض لهذه الأمّة من سيجمع شمل المسلمين عن قريب
للانتفاض والزئير على كل من ظلم الأصول، فإنّها السنن لا تحابي أحدا وهي مع الذين
صدقوا الله في نصرة دينه، ومن يزيغ تُزاغ عنه السنن، وكفى بربّك هاديا ونصيرا ..
السلام
عليكم ..
=======================
كتبه
نورالدين الجزائري .
17 ذي الحجة 1439هـ الموافق ل 28/08/2018
17 ذي الحجة 1439هـ الموافق ل 28/08/2018