Rechercher dans ce blog

samedi 15 juin 2019

مقال بعوان " أمريكا وإيران إلى أين ؟ " بقلم نورالدين الجزائري



أمريكا وإيران إلى أين ..!!


ما الذي يجري بين أمريكا وإيران في المنطقة؟. سؤال واستفهام وتعجّب عند الكثير من السياسيين والمراقبين والمحللين، ولعلّ السؤال الجوهري ماذا تريد امريكا من إيران وماذا تريد إيران من امريكا بعد أربعة عقود من التوتّرات والتهديدات بينهما، فهل البلدان حقّا في صراع وعلى أي صراع وصل بهما الحال اليوم، أم تفاهمات ظاهرها العداوة وباطنها مساومات على التركة والإرث والفيء السنيّ بعد انقلاب الموازين مؤقتا في سورية، أم على إشكالية لوجيستية سياسية تريد طهران من واشنطن أن تحتفظ بها كوسام على ما أنجزته طائفيتها في سورية خاصة وفي المنطقة العربية عموما ..
تساؤلات مشروعة يرددها المراقبون للساحة العربية ومفرزات الثورات العربية وما أنتجت من أنظمة جديدة كانت من ورائها ثورات مضادة ألحقت السياسات القائمة اليوم لهذه الدول بالمشروع الشرق الأوسطي الجديد برعاية امريكا ومحور الموازين الغربية من روسيا وأوروبا كشرط ولاء وبقاء واستمرارية في إخضاع المسلمين للهيمنة الرأسمالية العالمية، ولكل كان له دور في تحقيق هذا المكتسب الاستعماري الجديد، فأمريكا استعملت أحجار شطرنج داخليا وخارجيا، داخليا في الصراعات المحدودة بالثورات المضادة، وخارجيا باستعمال وجها قبيحا ومقنّعا بتدخّل روسيا وإيران في سوريا، وحتى تُكلّل الجهود بخراج مرضيّ مهيمن فكان لابد من خلق حلف قويّ يأتمر بالقرارات الدولية وتحت مهمّة واحدة (مكافحة الإرهاب)، والدفع به إلى سورية ذلك البلد المحوري والجسر الحدودي بين الشرق (الخليج) والغرب (إسرائيل) لمنع سقوطه وسقوط البنت المدللة الأمريكية والقاعدة العسكرية المتقدمة للغرب في بلاد الإسلام، وانهيار عروش دويلات الإسناد (دول التعاون الخليجي) المالي والاقتصادي للرأسمالية العالمية، فأمريكا تدخّلت في سورية سياسيا اوّلا بعدم السماح للنظام العلوي بالزوال وهذا ما قاله السفير الأمريكي فورد لوفد من المعارضة السورية في منزل رياض سيف بدمشق أن سقوط النظام غير مطروح، وأن التعرض للأقليات وفي القلب منهم العلويون ممنوع، ثمّ جيّشت الكل وجزّأت العمل لغرس سياسة فرّق تسد، ثمّ أتت بإيران كقوة ضاربة على الأرض بحرسها ومليشياتها وبروسيا كقوّة ضاربة في الأجواء، وفي آخر المطاف شكّلت حلفا عالميا على من أراد إجهاض المخططات حتى أحرقت الأخضر واليابس سياسيا وعسكريا لذلك، فأمريكا ما تدخّلت في سوريا إلا من اجل مصالحها القومية أمنًا واقتصادا، فكان عليها توزيع الأدوار على من اختارتهم بعناية وتجربة لأجل مبتغاها، فقد استعملت إيران من أجل غرو العراق واستعملتها من قبل في أفغانستان لذات الهدف واسألوا الأبطحي مستشار محمد خاتمي رئيس إيران الأسبق، واستعملتها في حربها ضد الدولة الاسلامية في بيجي والفلوجة والموصل، فلا يمكن أن يكونا أعداء بين عشية وضحاها، فالكل منّا يعلم أطماع إيران التوسعية وتدخّلاتها في كل مرة في لب أطماع أمريكا، فقد تدخّلت من قبل في لبنان وتم على اثر ذلك طرد المقاومة الفلسطينية، وما عداء حزب الله مع إسرائيل إلا لاحتواء نشوء مقاومة سنية والكل منّا يعرف قرارات الأمم المتحدة بعد حرب 2006م بين إسرائيل وإيران نيابة وما انبثق منها، فالعداء الظاهر بين امريكا وإيران ما هو إلا سياسة العصا والجزرة داخل العالم العربي تارة من اجل فتح مخازن المال للسلاح والمشورة والتحالفات، وتارة من اجل التخويف لتثبيت الحدود والنسيج السكاني أو استعماله كورقة ضغط وابتزاز لمقاصد أخرى معلومة، فمن جملة الهراء والضحك على السذج فإن هذا العداء القائم اليوم ما بين أمريكا وإسرائيل من جهة وبين إيران من جهة أخرى موثّق باستثمارات إسرائيلة في إيران بحسب جريدة بدعوت أحرنوت والمقدرة بأكثر من 30 مليار دولار في قطاع الأعمال والخدمات، وبِ 200 شركة إسرائيلية على الأقل في مجال الطاقة والتسويق والمضاربة، ومن يدعي غير ذلك فليسأل الجالية اليهودية المقدرة بربع مليون يهودي يتلقون التعاليم من حاخامات من في إسرائيل مباشرة، فاللعنة على خلط الأوراق والتستر على الحب الدفين ..
فإن سرد مثل هذه المعلومات المعروفة للبعض والمخفية عن البعض الآخر يساعد على فهم ما الذي يجري اليوم بين أمريكا وإيران، فبعد انقشاع دخان المعارك نوعا ما في سورية بين التحالف الدولي والدولة الاسلامية فكان لزاما على امريكا ومن خلال سياسات ترامب المباشرة إعطاء كل ذي حق حقه، فدخول إيران في حرب الدولة الاسلامية على الأرض في العراق وسورية كان بشرط الحفاظ على البرنامج النووي الإيراني وعلى الترسانة البالستية الصاروخية والتمدد في رابع دولة عربية محورية ومنها الطريق إلى البحر المتوسّط لتسويق نفطها وغازها بما أن ما تمتلكه إيران من الطاقة يمثّل 30% من الناتج العالمي في هذا المجال، فهذه الشروط الثلاثة أعادت النظر فيها امريكا وأبقت منها إلا السماح بالتوسّع المذهبي وإعادة فرض عقوبات على الشرطين الآخرين وبمعنى تقزيم قوّتها مستقبلا لصالح إسرائيل ودويلات الدعم المالي والنفطي، ممّا أدّى إلى جنون إيران والتهديد بالانسحاب من بعض بنود الاتفاق النووي مع الأوروبيين وإعادة تخصيب اليورانيوم وعدم بيعه للضامن الروسي، فإيران صعّدت من حدّتها من اجل تخلي ترمب عنها في هذا الظرف بالذات والتي تعاني من حرب استنزافية كلّفتها ميزانية هائلة في النفس والنفيس، وهي اليوم كالدّب المجروح أمام نقض بعض التعهّدات فلجأت للتهديدات بغلق مضيق هرمز أمام ملاحة الطاقة العالمية وبالإنتقام من بعض دول المنطقة المتحالفة مع امريكا ضد مشروعها القومي والتوسّعي اقتصاديا بالتصعيد الطائفي، وبضرب القواعد العسكرية الأمريكية في الخليج، فكل هذه التهديدات من إيران إنما تخبّط ومناورة ربع الساعة الأخير لفتح قناة مفاوضات جديدة بينها وبين امريكا بعد أن أرجعها ترامب لمربّعها الأول قبل دخولها الحرب في العراق وسوريا ..
فما نراه ونشاهده من تصعيد بين الطرفين اليوم وتخريب بعض السفن التجارية النفطية الاماراتية البارحة يندرج في احتواء الأزمة وليس في تصعيدها قبل ان تفلت الأمور وتدخل بعض الخلايا النائمة والتي تريد من امريكا تقليم أصابع إيران وإلزامها حدودها، ومن الوارد جدا أننا سنشهد مفاوضات في القريب العاجل بين امريكا وإيران مباشرة وذلك عبر لقاء ترامب وروحاني في روسيا أو الصين لحل الأزمة وادخال إيران بيت الطاعة مرة أخرى وبقواعد أخرى مع امتيازات من نوع آخر تجعل إيران ترضى بالقسمة وبتطلّعات وامتيازات مالية مع فتح منتوجها من الطاقة إلى العالم الخارجي مباشرة من دون أيّ وسيط كما هو الحال عليه اليوم ..
فالكعكة اليوم كبيرة وأطماع امريكا منها أكبر وأعظم فيما تمّ غربلته من شرق اوسط جديد تكون فيه إسرائيل على موعد من حلمها الأزلي وما تمّ طبخه في مشروع صفقة القرن تكون كل دول المنطقة فيه على اتفاق واحد ومن دون بلبلة مستقبلية، فاحتواء إيران سياسيا واقتصاديا كما ذكرنا سيجعل من المقاومة الفلسطينية تقبل بصفقة القرن مقابل امتيازات مالية ضخمة هي الأخرى، فتكون امريكا وإسرائيل قد حقّقا وعدهما وحلمهما من خلال الهيمنة على المنطقة من البحر إلى النهر ومن المحيط إلى الخليج من دون دول المقاومة والممانعة ومن دون فصائل مقاومة، فهذا بشار احتوته إسرائيل وتريد أن تخرج إيران من بلده وإبعاد قلاقل الميليشيات، وهذه إيران سيُبنى اقتصادها من جديد وعلى أسس أخرى من خلال مناوراتها مع امريكا اليوم، وليعلم الجميع أن الحروب إلا على رؤوس أهل السنة، وما نراه الآن من مناورات عسكرية في الخليج يندرج تحت تمرير وإتمام مشروع صفقة القرن بعد إعلان انتهاء الحرب في سورية واليمن واحتواء تركيا عسكريا واقتصاديا، وانتقال الجميع إلى الحرب ضد تمدد الإرهاب السنّي الذي لا محالة سيقلب عليهم طاولة تفاوضات النهائية في الأخير ..
السلام عليكم

=====================
كتبه : نورالدين الجزائري
8 رمضان 1440 هـ الموافق ل 13 ماي 2019