Rechercher dans ce blog

mardi 28 février 2017

مقال بعنوان " محنة أهل التوحيد في الدِّيَار " ... بقلم المدون نورالدين الجزائري


محنة أهل التوحيد في الدِّيَار..

إنّنا أمّة لا تموت وإن ظنّ أعداؤها بإنسهم وجنّهم محاربتها لاجتثاثها، أمّة ولّادة للرّجال في كل عصر وخاصة في زمن الوهن والريبة، أمّة تُبعث من تحت الخمول لمّا تكون المجتمعات تحت اثر الترف والخمور، أمّة تذبُل ولكن خصبة الأرض والعطاء والاقدام لسعادة الغير وبلا شكور، أمّة الرجال في كل ظرف ونيّة مبيّتة، أمّة اليقين عند المحن والإيمان بغدٍ أرحم، أمّة كُتِب عليها التكالب، لا لشيء إلاّ لإيمانها بالله رب العالمين بوحي وعلم وعمل، فرُبَّ محنة ومن ورائها رفعة وعزّة، وكذلك في أصحابها أو أهلها قرآن يُتْلَى أنّ لا مفر من الفرز حتى يستقيم على دمائهم وأشلائهم فجر الأمّة ..
فاليوم يوم العصبة المؤمنة ومن اجتباهم الله وطَهّرهم لرفع راية لواء التوحيد والهمّة، يوم فرز الصفوف ومن ستُوكل إليه المهمّة، مهمّة الأمانة، أمانة الدين وحفظ بيضة الأُمَّة، فها هم أعداء الامس بحلّة جديدة اليوم على أسوار مفهوم الدِّين وصحيح الايمان لأهل السُنّة، صليبيون ويهود ومجوس ومنافقون، يعاودون الكرَّة تلو الكرَّة ومبتغاهم واحد، وأمانيّهم شتّى، يريدون الحق الذي في صدور الغرس الأوّل من أهل الصحبة، وإيمان دار الأرقام ونهج أصحاب السقيفة في تثبيت حكم الله ورسوله ومفهوم الأمانة، فما كان من هؤلاء العصبة المؤمنة إلاّ المبايعة على فهم الوحيين وسبيل الجيل الأول من الصحابة وعلى طريق القرون الثلاثة في إرجاع مجد الأُمَّة، فما كان منهم إلاّ صفقة بين البائع والمشتري اُبرِمت ولا تراجع إلاّ حين تضع الحرب أوزارها، فربّك المدبّر والميسّر لما آلت وستؤول إليه أوضاعهم ، فالأمر المطلوب لَبّى النداء والسمع والطاعة لنموس القتال، قتال من يريدون بالمسلمين العبودية، من يريدون بالمسلمين التبعية، من يريدون بالمسلمين مسخًا بلا عقيدة ولا هوية، فهيهات في قاموس رجال الأُمَّة المذلّة، بل عند بلوغ نِصاب الايمان فالواحد منها يغلب مِئة بحول الله وقوته ومعيّته وبالبيان، فاليوم ومع ما آلت إليه الأمور في معقل أهل السنّة وتحزّب ملل الكفر العالمية، قيّض الله لهذه الأُمَّة رجالا صدقوا ما عاهدوا الله عليه، وأبلوا بلاء عجبًا، ظاهره المكيدة وبَاطِنه تدبيرا، فقد رمتهم الدنيا عن قوس واحدة بعد أن أسسوا للمسلمين ترشيحًا، وأعادوا لهم عزًا منهوبًا، فالله در الموحّدين في زمن الكفر العالمي اللّعين ..
فمحنة الموحدين اليوم كمحنة التابعي سعيد بن جبير وجبروت الحجَّاج للمسلمين وله لمّا بايع ابن الأشعث ورأى فيه الصلاح للحكم وحراسة الدين ورفض الظلم والطغيان، فكذا اليوم أهل التوحيد لا يَرَوْن بيعة لمن لا بيعة له أصلا ومنهم من ظاهر أهل الكفر على المسلمين علانية، ومحنتهم أيضًا كمحنة الإمام الفذ أبي حنيفة النعمان مع الخليفة المنصور في القضاء وما أنزل الله، فرفض الامام إلاّ الحكم بما أنزل الله في الصغيرة والكبيرة ورمى وراء ظهره نزوات المنصور، فما كان من الخليفة إلاّ سجنه حتى تولاه الله فيه، فأهل التوحيد لمّا رأوْا أن القضاء اليوم حكمه من دساتير الغرب كفروا به وبموادّه فما كان من الحكّام إلى الزجّ بخيرة علماء الاسلام في غياهب السجون، ومحنة أهل التوحيد كالتي ألمّت بالامام أحمد بل أشدّ وصفًا وأعلى درجة، فالإمام أحمد سُجِن وعُذّب في محنة القول بخلق القرآن، وردّ عادية الجهمية والمعتزلة، وأثبت بالحجة والبيان أن القرآن كلام الله المنزّل على رسوله -صلى الله عليه وسلم- وبفضل ثبوته على الحق كان له ما كان من ذكر ومقام إلى يوم النَّاس هذا، ومحنة أهل التوحيد محنة أشد وأعظم شأناً، وهي في لبّ العقيدة وإثباتاً للألوهية والربوبية في التوحيد والايمان والحكم، فما كان مطلبهم إلاّ الحكم بما انزل الله في القضاء والعقود والدماء وهي ما أجمعت عليه الأُمَّة من مقاصد الشريعة، فمحنتهم أنّهم اصطدموا بحكّام مبدلين لشرع الله وإن لم يقولوا بخلق القرآن فقد عطَّلوا أحكامه وفروضه، فذاك من الصفات وهذا من صريح الاعتقاد فَأَنَّى للعاقلين الابصار.
فرحم الله شيخ الاسلام بن تيمية وصدعه بالحق لما رماه علماء زمانه بالفرية، فناظروه في صريح الاعتقاد فردّ عليهم العادية، ولمّا ابتُلي المسلمون بالتتر فكان في أول الصف حاملا السيف والمصحف قائلا لأهل العلم إن رأيتموني في ثغر الترك فاضربوا عنقي ولا تبالوا، فبصدقه أصدقه رَبّه حتى دُحر التتر من الشام، فلم تنطلي عليه الحِيّل من اعتناقهم لدين الاسلام حتى قال فيهم وما يعتقدون في الياسق ما قال، فداسه بنعله الشريفة وما بدّل تبديلا، فأهل التوحيد اليوم من مشكاة علم شيخ الاسلام ابن تيمية، وكأن قلمه اليوم يرد على الجهمية والمرجئة والقبورية والروافض والنصيرية والملاحدة وأهل الملام والزنادقة، فقد منّ الله عليهم بعلماء سدّوا ما سدّ شيخ الاسلام من ثغر في الردّ على الخصوم ونصرة للحق وللعصبة المؤمنة، فكم منهم اليوم على راْس الملاحم في العراق والشام والبلاد الاخرى، وكم منهم في سجون الحكّام وما زَاغُوا ولو قليلا، وما زادتهم هذه المحن إلاّ ثباتا وتمسّكا بنهج النبوة، فنسائمهم أعاصير عاتية على رؤوس الكفر والنّفاق الظاهرة، وكلامهم بلسما ونورا وضياء لجموع المسلمين الحائرة، فيا أيّها السادة فحبّكم عبادة ..
وكم من أحمد ابن أبي دؤاد اليوم رأس الإرجاء والاعتزال والتجهّم، من أجمع أمره على أهل التوحيد للنّيل من اعتقادهم ورميهم بما ليس فيهم من غلو وخارجية ومعتقد الحرورية، ونادى بالعلماء وطلّاب العلم من في حاشية السلطان وبعض العامة من النَّاس في المدائن أن هلمّوا إلى كشف زيف الأزارقة الجدد وكلاب اهل النار المارقة، فجمع لذلك كل من هو تحت راتب الأمراء والروؤساء والملوك، وفي رغد العيش معشش وبحمد ولي الامر منكوش، لمحاولة صدّ الخوارج الجدد عن ما رسمه صهيون والصليب والمجوس، فما كان من أهل التوحيد إلاّ كشف زيف حجج وزيف اعتقاد أحفاد ابن أبي دؤاد لإبقاء حكم الآلهة الجدد المبدّلين لشرع الله المجيد، فما كان من اتباع ابن أبي دؤاد إلاّ القول بأن اخرجوا هؤلاء المارقة من قريتكم إنّهم أناس يتطهّرون، ولدين الاجداد مبدّلين، وإن عجزتم عن قتلهم قتل عاد فاستعينوا بأمم الكفر فإن نحن أهل الفتوى وبها نستحلّ ما هو حرام ومعلوم من الدين بالضرورة، وعليكم بالشيك والمكانة والقرب منكم وأنّنا لنصرتكم جاهزين، فأصابهم بما قال أهل بلعام محنة جعلتهم يقولون أنّها في سبيل الله وهذا طريق الاولين فسوف تهون ..
فالمحنة في الأساس منحة، فهي الطريق إلى سلامة المنهج، وجسر لغربلة الصفوف وصقل المعادن وإرجاع الأُمَّة إلى العزّ، فتارة تتجسد في فرد اختاره الله لينصر به مذهبا كتلك لشيخ الاسلام ابن تيمية، وأحيانا تتجسد في جماعة يريد أن ينصر الله بهم دينه كتلك للشيخ محمد ابن عبد الوهاب وأعوانه، فكما أن لكل إمام محنة فكذا لكل جماعة محنة، ومحنة الفرد أهون من محنة الجماعة، فالفرد غالبا ما يذود عن العقيدة، والجماعة غالبا ما تسلك سبل الصحابة في الحفاظ عن الرسالة، فمحنة أهل التوحيد اليوم لا نظير لها من حيث الأذى في الدين والغربة بين الأهل والنَّاس عامة، فقد اجتمع القريب والبعيد على محاربتهم واجتثاثهم من قاموس التعريف الجديد للإسلام وعقيدته، فهي المرة الثانية التي يتعرض إليها أهل التوحيد إلى هجوم شامل كاسح ومزلزل لاستئصالهم ومحو مصطلح الهزيمة عليهم، فالمرة الاولى كانت يوم الاحزاب، وهذه المرة بتحالف عالمي ضد الارهاب، فمبتغى القوم واحد هو دين محمد، فمن تأمّل لطف الله في محنة البارحة واليوم فسوف يدرك أنّ الله مع الذين اتّقوا والذين هم محسنون، وكما أنّ الله نصر الأولين بصبرهم وثباتهم وحسن ظنّهم بربّهم فقد جرت سنّة الأولين في الآخرين من حيث صحيح الاعتقاد والإنابة، وأنّ كأس الصبر إذا امتلأ تصير المِحنة إلى منحة وعطاء، وإذا أعطى الله يُدهش فحينها فيا فوز الموحّدين ..
السلام عليكم ..
=========================

كتبه نورالدين الجزائري
02
جمادى الثانية  1438الموافق ل 28/02/2017




lundi 20 février 2017

مقال بعنوان " الإسلام ما بين مطرقة الاستشراق وسندان العلمانية .. نظرة تأمّلية " بقلم المدون نورالدين الجزائري


الإسلام ما بين مطرقة الاستشراق وسندان العلمانية ..
نظرة تأمّلية ..

لا شكّ أن علم الاستشراق هو فن الاختراق الذي أوتيت الاُمٌة الاسلامية من قِبَلِه، ونال من صيتها وهيبتها وعلمها ككيان حضاري نهضوي غير لاهوتي، وزرع فيها فيروس التشتت والفُرقة والتناحر المذهبي كمرحلة استباقية انقضاضية، ففعل فيها ما لم تفعله جيوش إمبراطوريات بأكملها، فهو أوَّل من اعتنى بدراسة العالم الاسلامي سياسياً ومذهبياً وثقافياً واجتماعياً وعسكرياً، فتخصص في دراسة علوم القرآن والحديث والسنّة والأثر، فجذوره اختُلِف فيها من حيث النشأة، فمنهم من عزاه إلى عهد بني أميّة، وآخرون إلى الحملات الصليبية، ومنهم أيضًا من قال بنشأته في الأندلس، وكان الهدف منه أولًا وآخرًا اختراق المنظومة السياسية للمسلمين وتعطيلها، ودراسة المذاهب الفكرية من حيث العقيدة والفقه وتسفيهها، فَأَلَّفوا بذلك المصنّفات والمجلّدات مجملها الافتراء والتشكيك، وكانوا قليل الانصاف فيما نسجوا من خيوط تآمرية من حيث النظرة للعالم الاسلامي ومعتقده ..
ففي موسوعة دائرة المعارف الاسلامية مثلا وهي تأليفات من البحوث لأكثر من 300 مستشرق من الغربيين عامة والأوروبيين خاصة والتي تناولت التشكيك في القرآن ككتاب منزَّل وقيل أنّه مزيج ما بين الديانة اليهودية والمسيحية وخليط من عقيدة أحبار اليهود والقساوسة النصارى، وكذا الحديث النبوي واستحالة صدوره من عبد أُمِّي، وأدّى بهم الحال إلى وضع بعض السموم من الإسرائيليات والاحاديث الموضوعة والمدسوسة للنيل من الحديث كمصدر للتشريع الاسلامي، فكانت بوابة التصوّف والتشيّع أول أدوات الهدم لباب الحديث، فَهُم مجموعة من أخصائيين وعلماء اللاّهوت والمنصّرين كان هدفهم تشويه الدين الإسلامي في أعين أبناء الغرب أولاً، والتشكيك في المعتقد عند أبناء الإسلام ثانيًا، ومحاولة صدّهم وإبعادهم وفصلهم عن دينهم بجملة من التحريفات والتلفيقات بضرب المعتقد خاصة وازدرائه، وقد أكّد ذلك أستاذ التاريخ الاسلامي بجامعة سانتا باربارا بكاليفورنيا ستيفن همفري Stephen Humphreys في كتابه "التاريخ الاسلامي" بأن " دائرة المعارف الاسلامية مؤلفة بالكامل من باحثين غربيين أصل بحثهم الاستشراق، لا تكاد تعبّر الاّ عن النظرة والمفهوم الغربي للحضارة الاسلامية من زاوية واحدة، تختلف تماماً عن فهم المسلمين لدينهم، ولا تكاد هذه الموسوعة ان تتوافق الاّ مع اهوائهم وبعيدا كل البعد عن المراجع الاسلامية كالأزهر وما شابه" ..
فهدف الاستشراق في بدايته كانت مهمّته إضعاف الأُمَّة عقديًا وسياسيًّا وثقافيًّا كما أشرنا، وهو دور استباقي مهّد الطريق إلى ما بعده من كوارث حلّت بالعالم الاسلامي وتشرذم المسلمين تحت كيانات ممّزقة جغرافيًا ومنقطعة الأوصال دينيًّا وفكريًّا، فبعد تفكيك الأندلس ومن بعده الدولة العثمانية أضحت الأُمَّة بلا كيان سياسي أو فكري ينوب عن هذا المصاب، فكان البوابة الأفضل والوقت المناسب إلى الظفر بالهدية بعد عمل شاق من التخطيط واحتلال البلدان الاسلامية، فسقطت الدويلات المقسّمة في رجس الامبراطورية البريطانية والفرنسية، ومن ضمن أول الاعمال عند دخول المستدمرين بلاد الإسلام تدمير كل ما هو مَعْلم ديني أو مركز فقهي وتسويّته بالأرض وفي ذلك شواهد عديدة، ناهيك عن هدم بعض المساجد الرائدة في النهضة وقتل واعتقال مشايخها وعلمائها، وبعد تثبيت الأقدام وغربلة الصفوف وحصر المناوئين ومقاتلة المتمردين، جاءت ببعض المتصوفة وأصحاب الخرف وقدّمتهم للأمّة كنماذج دينية، والهدف من ذلك مسخ الهويات العربية والإسلامية فكريًا، ولتسهيل التحكّم في رقاب العامة من خلال دراويش تدين بالولاء للسيّد الجديد، فاستقرّ الحال على ذلك عبر مراحل من الاستدمار إلى أن هُمِّش المعتقد والوازع الديني وكاد أن يُستخرج من صدور المسلمين، فَلَمَّا استطاب الامر للمحتلّين وأيقنوا أنّهم تمكنوا من المعتقد بزرع ثقافة الغرب في المجتمعات الاسلامية من نوعية الحكم فيها وأنّه الأفضل من سياسة الحكم بالشريعة راهنوا بعدها على التبعية الفكرية من أبناء المسلمين لهم، فقرّبوا إلى دوائرهم الأكثر انسلاخاً عن دينه، وعلّموه وثقّفوه وزجّوا به في الدوائر الحكومية، فعمّموا التجارب وأعطوا المناصب حتى كانت الوظائف حكرًا على ذلك النموذج الغربي، وأصبح يُنظر إلى كل ما هو ديني نظرة دونية، كادوا بهؤلاء إلى أن تُختصر الأدوار في مراسم عرفية وتحفيظ أبناء الفقراء القرآن داخل جدران مساجد المدن والقرى النائية، فبعد كل هذا التغريب والسلخ وغرس ثقافة المستعمر لم يجد نفسه إلّا أن يخرج من بلاد المسلمين مطمئنا على ما قدّم من عمل يثبّت به التبعية الابدية، ومن خلالها التّحكم في المسلمين وخيراتهم عن طريق ما أنفق من مخططات، بدأها بفن الاستشراق وانتهى به المطاف إلى سياسة التغريب، لازالت إلى يومنا نتائجها وارتداداتها سارية المفعول وغير منتهية الصلاحية ..
فالمستدمر وبعد أن خرج من البلاد الاسلامية، وضع الخطط الاستباقية لتقويض كل رجوع إلى الهويّة، فأسّس لذلك جامعات ومعاهد ومراكز للبحوث، ووضع الاستراتيجيات لذلك، لاستمرارية السيطرة على مقوِّمات النهوض لأبناء ونفض غبار الهيمنة، فأدرج لذلك عدّة طرُق تضمن له السيطرة على سياسة البلدان المستعمرة، فأوجد ساسة وعائلات حاكمة تُقْسم له بالولاء وأحكم من خلالها على المفاصل الحيوية في كل بلد، تضمّنت الجيش، والتعليم، والإعلام، والثقافة، تتستر من وراء كل ذلك أكاديميات متشعبة، تنطق بلسان الأعداء في الدّاخل، وتكرّس الاحتلال بحفظ تركة سايكس-بيكو، مستعملة سلاح الاعلام الموجّه للتضليل العام ومن تنفيذ أدوات احتكرت أدوات إيصال الكلمة إلى المسلمين من خلال التحكّم في المساجد والجامعات والمعاهد الاسلامية عن طريق ثقافة تغريبية معادية لكل ما هو عربي وإسلامي، وَمِمَّا زاد الامر تعقيدًا غرس بعض الجامعات الأجنبية في بلاد الاسلام وابتعاث طلبة مسلمين إلى الغرب للتحصيل العلمي، فالأمر أُريد له عدم الانضباطية ومفتعل لتوريد ثقافة غربية تدين بها الأُمَّة في نهجها النهضوي، فما كان من كل هذا العبث الداخلي والتخطيط الخارجي إلّاَ مزيدًا من مسك خيوط التبعية في الكبيرة والصغيرة، فالأمور اُسنِدت إلى أصحاب الشهادات الغربية في بلادنا ممن اختارهم الغرب بعناية فائقة وتمركزهم في مناصب حساسة من مفاصل دول الفرز الاستقلالي، لم تجنِ الأُمَّة منهم إلاًّ فصل دين الله على كل ما هو مشروع نهضة حقيقية للبلدان الاسلامية، والخروج من الهيمنة الاستعمارية المستمرة، فمن يحكم المسلمين اليوم وأدواته ليسوا إلاًّ مشروع إبقاء الاسلام في المساجد وحصره بين جدرانه، وكل من يصدع به فالتّهم جاهزة ومتّفق عليها محلّيًا ودوليًّا، وأدوات تنفيذية جاهزة في كل وقت وحين لكل من يحمل شُعلة قيادة أبناء بلده لما هو خير الدين والدنيا ..
فبعد أن كان الاستشراق بوابة دخول أعداء الله إلى العالم الاسلامي في أوجّ قوّته ومن خلاله دُرِست الأُمَّة من حيث القوة والضعف، فمرحلة الاستعمار والهيمنة إنّما هي وقعٌ وتحصيل حاصل لما بعد مرحلة الاستشراق، فاستبدلوا كل ذلك بتخريج وتفريخ مسخ من أبناء المسلمين في معاهد الفرز العلماني من جامعات محلية وابتعاث علمي، فما كان من هؤلاء إلاًّ ربط خيط التبعيّة كلّما خُدِش أو أُحرِقت فصوله ولو مرحليًا من طرف أشراف أبناء الأُمَّة، فباب السياسة لا يدخله إلاّ من تخرّج من المدارس العليا للسياسات المعاصرة، والأوسمة العسكرية لا يتقلّدها إلاّ من درس في كلّيات الناتو والشيوعية، وقرّبوا من الدوائر العلمية والثقافية للحكم كل من نبذ اللّغة العربية كأساس للمعرفة، ناهيك عن فرز صفوف كل هؤلاء ونفي عنهم كل عقيدة، وما نراه اليوم من سياسة حكم في البلدان الاسلامية ومحاربتها لكل صادق يحمل بذور الاسلام أو معالم نهوض أصيلة لهو من التخطيط والتنفيذ للأجندات المعلنة والخفيّة، وللاستمرارية في حكم المسلمين بالنيابة وبسواعد أبناء الملّة، واقتصر كل ذلك بمزيد من التّحكّم بخيوط الهيمنة على البلاد العربية والتي هي عامل نهوض للاُمّة ونفض غبار الاستدمار الى عير رجعة ..
فالاستشراق اليوم أضحى العولمة بلسانها العلماني، فبعد أن كان الابتعاث من الغرب إلى الشرق لدراسته، تخلل مفهوم آخر له إبان الاحتلال من خلال تثبيت سياسة الحكم الاستعماري في بلدان الاسلام بسواعد أبنائها بعد خروجه، فاليوم بات يتحكّم في عقل الأُمَّة من خلال نشره للأفكار الهدّامة، و للكتب المكرّسة للعلمانية، تخدمه أيضًا مجلات وصحف متبوعة، والقنوات الفضائية والإنترنت أصبحت أدوات تخدم وتدعم الثقافة الأحادية الاتجاه وكل ذلك لإحكام الوثاق على المارد العربي السُنّي، فالاستشراق أو العولمة اليوم ساند ويساند كل فكر يريد بالغرب نموذجاً ومثالاً، ويقف صفًا معه وضد كل تيار يريد اجتثاثه، فالعولمة اليوم وفن الاستشراق الجديد وجد حصان طروادة من نوع فريد استطاع من خلاله السيطرة على مفاصل كل دولة، فأعطى للأقلية التغريبيّة أو ما يُسمى بالعلمانية أدوات الحكم واتّفق معها و تطابق حول أغلب القضايا في الأُمَّة، فكل من الاستشراق والعلمانية تراهم اليوم أداة طعن في القرآن والسنة، والسيرة النبوية، وتاريخ المسلمين، مشككين في كل ما هو خُلُق مصدره التشريع الإسلامي، فبعد أن كان بداية الاختراق من باب التعرف على المجتمعات الاسلامية أصحى اليوم أداة تخريبية وعائق نهضوي لأبناء الأُمَّة لابد من اجتثاثه والقضاء عليه من خلال سلسلة تخطيطية علمية وفكرية وإن تطلّب الامر العسكرية في نهاية المطاف ..
فلم يكن فن الاستشراق إلاّ مؤسسة هدّامة بأيادي علمانية لقيّم الانسان وللمكون والمكمّل للثقافة الانسانية من عنصر بشري لا يرى مفهوما للحياة وللإنسان كالذي يراه من احترف فن الاختراق لدوافع استعمارية ونزوات عنصرية، فحالَ هذا الفن التخريبي ما بين الاسلام والديانات الاخرى لتمرير الرسالة، فكان عائقاً لتقديم الدين الاسلامي كنموذج حياة صالحا لكل عهد وزمن بعلم وموضوعية، وكان من المفترض لهذا الفن أن يزيل الألغام ويُبعِد الاصطدام ما بين الحضارة الغربية والعربية الاسلامية، ولكن أبى إلاّ أن يكون أداة كراهية ما بين العالمين الغربي والشرقي، ولكن لكل علم تنظيري سقف لعطائه، ونهاية لأدواته، فالعالم اليوم أصبح مكشوفاً بسواعد الاستشراقيين الجدد داخليًّا أو من وراء البحار، فالمواجهة أصبحت مفتوحة علنية، وظَنُّوا أنّهم أجهزوا على دين الله بخططهم الجهنّمية، ويأبى الاسلام إلاّ أن تتعاظم أوّار شعلته من خلال حروبهم إيّاه، ويذكر أن من تفطّن لهذا الفن الاستخرابي وألّف فيه موسوعات وأضحى صاحب معرفة هذا المصطلح بامتياز هو ادوارد سعيد الفلسطيني الأصل حيث يقول " الشرق سيكون في أيدي أهله طال الوقت أم قصُر، وأنّ الشرق الذي يصنعونه أو ينشؤونه إنشاء، لأغراض في المعرفة والسلطة، وبالتالي غرض الدفاع عن الذات بخطط استباقية أمام شرق أصيل ( الاسلام ) لا ولن يهدأ حتى يستوعب الآخر ( الغرب ) بحكم عالمية الرسالة الإسلامية الكامنة فيه ..
/
السلام عليكم
======================
كتبه : نورالدين الجزائري
24
جمادى الاولى 14388هـ الموافق ل20/02/2017



vendredi 17 février 2017

" شذرات ايمانية " ... بقلم المدون نورالدين الجزائري



شذرات إيمانية ...

الحمد لله نور السموات والأرض، والصلاة والسلام على من كان همّه الامة وبعد :
فإن عقيدة المسلم هي روحه التي في جسده حقيقة، وأن منبع تنفسه الولاء والبراء الذين هما أوثق عرى الايمان، فالحب في الله وموالاة أولياءه، والبغض في الله ومعاداة من كفر وأشرك به لهما أسّ الايمان وحبل الله المتين الذي أمر أن يتمسك بهما كل مسلم عرف دينه قولا وفعلا.
فالعقيدة التي غرسها الاسلام في نفوس الجيل الاول من المسلمين الذين هم صحابة رسول الله الأمين صلوات ربي عليه ورضوان الله تعالى عنهم أجمعين، جعلتهم يخاصمون ويحادون في الحق القريب، ويوادون فيه البعيد، فلا تساهل مع القريب أو الحبيب مادام محادا محاربا لله ورسوله، مخالفا لشرعه.
فقد حقق صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم معنى الولاء والبراء، وضربوا لذلك أمثلة خلّدتها كتب السيرة والتاريخ، قطعوا بذلك الفهم الجاهلي للبرّ والعرف والقبيلة، وأحلوا مكان ذلك الولاء التام للإسلام، والوقوف في صفه، يجاهدون في الله من زاغ عن أمره بالنفس والنفيس، كما قال تعالى :" لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الاخر يوادّون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو ابناءهم أو اخوانهم أو عشيرتهم".
 فها هو رسول الله صلى الله عليه وسلم يأسر عمّه العباس يوم بدر وقال له :" أما ظاهرك فكان علينا، وسريرتك فإلى الله ."
 
وهذا عمر الفاروق يقتل خاله العاص بن هشام أيضا يوم بدر وكان مشركاً، وها هي أم المؤمنين أم حبيبة رضي الله عنها، بنت أبا سفيان تقول لأبيها لما زارها في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأراد الجلوس على فراشه الطاهر وكان ذلك قبل اسلام أبا سفيان:" هو من أثر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأنت رجل مشرك نجس، فلا أحب أن تجلس عليه ". والأمثلة في ذلك لا تعد ولا تحصى، فكانت نماذجا صادقة في الحب في الله والبغض فيه، وموالاة أولياء الله ومعاداة أعدائه.
ومن صور الولاء والبراء لله ورسوله ما صرح به عمر الفاروق للعباس عّم النبي حين اكثر الكلام في شان ابي سفيان قبل إسلامه واراد ضرب عنقه، فقال العباس : "مهلا يا عمر، فوالله ما تصنع هذا إلا أنه رجل من بني عبد مناف، ولو كان من بني عدي بن كعب ما قلت هذا"، فغضب عمر وراح يدفع عنه العصبية القبلية، ويبن ولاءه للمؤمنين، فأجاب قائلا : "مهلا يا عباس، فوالله لإسلامك يوم أسلمت كان أحب إليّ من إسلام الخطاب لو أسلم، وذلك لأَنِّي أعلم أن إسلامك كان أحب إلى رسول الله من إسلام الخطاب لو أسلم ". 
 
فلما كان الاسلام يجمع أهل الايمان على قلب رجل واحد، يحبون في الله من كان أبعدهم بعد إسلامه، ويبغضون ويعادون في الله القريب إن جثم على كفره وشركه، كانوا مستحقين المعية الإلاهية، يحبهم الله ويحبونه، فجعل منهم سادة العالم بعد أن كانوا عبيدا في جاهليتهم، فالمسلمون بعد تحقيق هذا الرابط الإيماني أصبحوا يدا على من سواهم، قوة على أرباب الملل وَالنَّحل والأديان والقوميات التي لا تدين بدين الله عزّ وجل الحق، وكانوا أيضا في تماسكهم كالرجل الواحد، إذا اشتكى شوكة اشتكى كله، وكما قال تعالى :"ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون" ، فقد تقطعت كل العلائق بين المسلمين والكافرين ولو كانوا أقرب الأقربين ..
يقول الله عزّ وجل :" ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين .." ، فإن القوة  كل القوة في اتباع الكتاب والسنة وإجماع الصحابة، فإن الله غنيّ عن العالمين، فقد ترك لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابة الله وسنته وسنة خلفاءه من بعده، وأمر أن نعض على كل ما ترك بالنواجذ، وأن نوالي من تمسك بذلك، ونعادي من أعرض عن ذلك، ولله الأمر من قبل ومن بعد وإليه ترجع الامور.
فقد شَهِد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخيرية والفلاح والعلم الوافر والفهم الصحيح لما ترك للقرون الثلاثة من بعده وفي رواية زاد قرناً آخر، فجاهدوا في الله حق جهاده بالحجة واللسان، وبالسيف والسنان حتى بلغ هذا الأمر أبعد نقطة على وجه المعمورة ولله الحمد والمنة ..
 
أيها الناس، فلما دخل بعض الزيغ من أهل الأهواء والبدع، والفرق الكلامية والباطنية، شاب بعض المعتقد، وألبس على بعض الناس من الكلام ما أفسد، فضعف بعض القوم من مَسّ شياطين الإنس، فغيروا بعض المفاهيم في الأصول التي أنشأ عليها من كان قبلهم، وبات الاسلام بين أهله غريبا، لا يحس ويعرف غربته إلا من فتح الله عليه فتوح العارفين وقتها، وجاهد بالحجة والبيان أهل الزيغ والنكران، ليرجع الأصل لأصله، وما دخل من دخان يتبخر ويزول بحق العلم والبرهان.
فقد جاء عن الامام الفضيل بن عياض رحمه الله  لما رأى المناكير وما بُدِّل وأُحدِث في دين الله أنه قال:" كيف بك إذا بقيت إلى زمان ساعدت فيه أناساً لا يفرقون بين الحق والباطل، ولا بين المؤمن والكافر، ولا بين الأمين والخائن، ولا بين الجاهل والعالم، ولا يعرفون معروفاً وينكرون منكراً".
 فلما رأى الامام ابن بطة رحمة الله عليه كلام الامام الفضيل، وقف عنده قائلا ومعلقاً:" فأنا لله وإنا إليه راجعون، فأنا قد بلغنا ذلك وسمعناه وعلمنا أكثره وشاهدناه، ولو أن رجلاً ممن وهب الله له عقلاً صحيحاً، وبصراً نافذاً، فأمعن نظره وردد فكره، وتأمل أمر الاسلام وأهله، وسلك باهله الطريق الأقصد والسبيل الأرشد، لتبين له أن الأكثر والأعم والأشهر من الناس قد نكصوا على أعقابهم، وارتدوا على أدبارهم، فحادوا عن المحجة وانقلبوا عن صحيح الحجة، ولقد أضحى كثير من الناس يستحسنون ما كانوا يستقبحون، ويستحلون ما كانوا يحرّمون، ويعرفون ما كانوا يُنكرون".
فإن أولياء الله ينظرون بنور الله عزّ وجل، ينظرون ويقيسون كلامهم بكلام رسول الله، وأنهم كانوا يعرضون أقوالهم على ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما كان قولهم يوافق من كلامه أخذوا به وعظوا عليه بالنواجذ وعلّموه للناس، وما كان من كلامهم يخالف ما حاء به رسول الله اعرضوا عنه ورموه جنب الحائط، فكانوا احرص الناس على أمانة الدين وتبليغ رسالاته.
 أيها الإخوة، كلام الفضيل بن عياض رحمه الله في وقته وقال ما قال من تنبأ، فمإن برى بنور الله، وإن الأمراض التي تدخل السنة فإنها تدخلها من أبواب البدع والهوى وقول على الله ورسوله بدون علمٍ وبيّنة ورجوع إلى الراسخين من العلم، فإن كان كذلك، فلا غرابة أن نرى المنكر سنة والسنة بدعة، ولا نقيس الأشياء بميزان الشرع كما أمرنا الشرع الحكيم، ومنه لا نفرق بين حب المؤمنين والتي هي عقيدة كما بيّنا، وبغض الكافرين والمنافقين الذي هو دين أيضا ندين به لله رب العالمين، فكيف بِنَا اليوم والله المستعان وكأن الإمام بين أيدينا رحمه الله وهو يشخص الداء بوصفه، وكلامه كالشمس في عز النهار، فوالله وبالله أصبحنا لا نفرق بين أهل الحق وأهل الباطل، وهما ضدان لا يتلاقيان ما تلاقا الليل والنهار، فإن الباطل اليوم له مشرع وفتوى وجند، يحكم الناس بعقيدة الطاغوت، لا يري الناس إلا ما يرى ما يفسد عليهم دينهم، وأهل الحق أهل الله وخاصيته مغيبون مطاردون لا همّ لهم إلا الخير لامتهم ودينهم ، والعجب من ذلك إن أصبح الكافر من جلدتنا مألوفا بيننا ولا يشار عليه ولا يقام عليه ولا يدعى للإسلام، والطامة من ارتد لا يِقام عليه حدا، حتى فهمت الآية في غير محلّها وتفسيرها " لا إكراه في الدين" ، ومن المناكير أيضا ما قبله الناس أن يقدّم الخائن إلى تولي الأمانة في الحكم والقضاء والإرشاد، ويُبعد الأمين بحجة التطرّف وإفساد الدين ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم، فنرى أيضا من أعطيت له مفاتيح القيادة والرئاسة من تعليم وتدريس ومناصحة وتربية إلى مجاهيل لا يقدّرون الله حق قدره في عباده، يعلمون المسلمين ما تعلّموه من فكر وزبالة العلمانية وما وراء البحار، فأصبحوا لا يفرقون بين منكر وصحيح، فجعلوا المعروف منكراً والمنكر معروفاً، فإنه باب للهدم حساً ومعنوياً إن لم نتدارك ذلك ونأمر بما أمر به الأولون من الصحابة والسادة التابعين رضوان الله تعالى عنهم أجمعين.
ولكن دوام الحال من المحال، وعليه يخرج من هذا البهرج اللؤلؤ والمرجان، ممن قد يغرس فيه الروح والريحان من علم الأولين وفهم المتأخرين في النوازل والحوادث العظام، فإن بعد كل عسر يهيأ الله يسرا لكل أمر ومخرجا، فكما قال الشيخ سليمان العلوان:" دل الكتاب والسنة على أن الحق له أعداء كثيرون يصدون عنه وينهون عنه ويأتون بقوالب على حسب أمزجتهم وما تهواه نفوسهم، وصاحب الحق يتعين عليه ألا يتزعزع عن الحق الذي علبه ويدعوا إليه، فإن الله ناصره ومؤيده ولا يزال منصوراً ما دام يقوم بنصر الدين، ونصر الحق مخلصاً في ذلك لله ولا يزال معه الله ظهيراً ما دام على تلك الحالة".
 فاللهم إنا نسألك من علم الأولين، وفهم التابعين، ومن فتح الصادقين، وأن تردنا إليك ردا جميلا غير مفتونين، وأن تجعلنا من الأهل الآمرين بالمعروف والناهين عن المناكير، وأن ترنا الحق حقا وترزقنا اتباعه، وأن ترنا الباطل باطلا وترزقنا اجتنابه، فاللهم أنت نعم المولى ونعم النصير فلا تكلنا إلى جهلنا وبعدنا عن وحيك وعبادك الصالحين، وأن تفتح علينا فتوح العارفين ..
وهذا وصل اللهم على سيد الأولين والآخرين ومن بعثته رحمة للعالمين صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين، والحمد لله رب العالمين ..

==========================

كتبه : نورالدين الجزائري
١٦ ربيع الثاني ١٤٣٧هـ

lundi 13 février 2017

مقال بعنوان "حقيقة الغرب ومفهوم الدولة العميقة " بقلم المدون نورالدين الجزائري


حقيقة الغرب ومفهوم الدولة العميقة

يحضرني قول كاثرين أشتون وزيرة أو منسقة الشؤون الخارجية للاتحاد الاوروبي حين زارت مرسي في السجن بعد الانقلاب عليه من طرف العسكر في مصر وثلّة من الانتهازيين ، دعاها لإدانة الانقلاب وادخال مصر في فوضى وربّما إلى عهد جديد من الدماء، فردّت: "أنت من تريد الانقلاب على دولة العسكر التي بنيناها قبل 200 سنة"، فبُهِتَ الذي سأل من هول الردّ وبلا خجل، وهكذا شأن الغرب في بلاد العرب منذ بداية الحملة الصليبية على بلاد الاسلام في بداية القرن الثامن عشر للميلاد، كان من أهداف هذه الحملة الشرسة تجريد المسلمين من الاسلام وحكمه، واستبداله بفكرهم وكان آنذاك يُعرف بالاستعمار، والمصطلح حمل في طيّاته استدمارًا وخرابًا حضاريًا وسياسيًّا وثقافيًا واجتماعيًّا أكثر منه إعمارًا للبلدان التي مسّها هذا الجرثوم والذي يعاني المسلمين منه إلى اليوم وبمراحل حسب التخطيطات والأجندات.
لم يشهد العالم الاسلامي حملة تغريبية وغير مسبوقة وتشويهًا لِلدِّين والمعتقد كالتي نحن عليها اليوم، فقد قطّع الغرب الأُمَّة إِربًا إربًا، وجعلها مسخًا من شعوب وقبائل لا تتعارف وإن تعارفت فلا تتآلف فيما بينها، وتركها شيّعًا وجماعات متفرقة متناحرة، ودبّ فيها الكره والبغض إلى أخمص الأنفاس حتى إصبحت لا تمت لأواصل الاسلام في شيء، ففصل الروح عن الجسد إلى أن غدت تابعة له كالمدمن للمخدّرات، لا ينفك أن يصبر على جرعته من السموم، فاستثمر في ذلك من قبل في الخطط والرجال، ونشر ثقافة الرجل الابيض الحضاري وسياسته الصناعية في المجالات الحربية والصناعية، وبعدها اختار من أبناء البلد المُستعمر جنّات لنطفه، فانتقى جيلاً ربّاه على أعينه وسمعه، وبثّ فيه الاستخلاف إلى أن خرج من الباب ودخل بعد مدة من النافذة وليحكم من جديد من وراء الكواليس والغرف المظلمة.
نعم استثمار في الاستخلاف بسياسة التبعية للمستعمر أو المستدمر كما يحلوا للبعض، فالعالم الاسلامي شَهِد استدماران أو قواتان استعمارية اجتاحت البلدان الاسلامية، إنجلترا احتلت العالم الاسلامي الشرقي، وفرنسا العالم الاسلامي الغربي، وكانت بعض البلاد تحت أخذ وجذب بينهما، تارة إنجلترا من تحكم وتارة فرنسا من تحكم كبلاد الشام، ومن خططهما زرع جذور التبعية وإنشاء كيان عميق وبمعنى الخفي أو وراء الأنظار يُحكم بالنيابة عن الإمبراطوريتين، فمن حكّام البلاد العربية والإسلامية بعد خروج المستعمر جاء على ظهر دبابة كبعض المملكات والإمارات في الشرق الاوسط وفي المغرب العربي وافريقيا، ومنهم من جاء بسيناريو تحريري وكذّبه الواقع فيما بعد، ومنهم من استولى على الحكم بانقلابات متّفق عليها في باريس أو لندن، فشعار الفوضى الخلاقة من مبادئ القوم حتى لا تستقر أوضاع المسلمين والتفرّغ للإعمار ولمخلّفات الاستدمار والنهوض بالأمّة مرة ثانية، فترِكَة الإمبراطوريتين من الناحية النفسية والجسدية كبيرة وعظيمة، وكان من ضمنها انتزاع حكم الاسلام واستبداله بقوانين نابوليون في مستعمرات فرنسا والأنجلوسكسوني في مستعمرات إنجلترا، وركّزت الإمبراطوريتين حينها على المملكة العربية السعودية ومصر لثقلهما العربي والديني، فكانتا ترويضا ونهجا للاستقلالات التي كانت بعدهما، فالسعودية أصبحت مثالا ونموذجا للاستقلال في الشرق الاوسط، ومصر بالنسبة لأفريقيا وبلدان المغرب العربي، وانبثق من استقلال البلدين تبعية بعد الحرب العالمية الثانية وخاصة بعد بروز قوى أخذت تركات فرنسا وإنجلترا وهما أمريكا وروسيا ودخول العالم بأسره في حرب باردة قسّمت العالم الاسلامي إلى معسكرين معلومين.
فمعلوم أنّ الغرب تحكمه قوانين ظاهرة وبَاطِنَة، وسياسة معلنة واُخرى خفيّة، فقوانينه وإن تبدوا في طابعها العام من التشريع التسلسلي المدني إلاًّ أنه مستوحى من الفقه الانجيلي ومن العهد القديم والجديد، وسياسته وإن يغلب عليه الطابع الديمقراطي المدني إلاًّ أنّه مقيّد من طرف هرم من البروتوكولات الماسونية، تحكم به العالم الغربي وكذا بلدان التبعية كبلاد الاسلام وشبه القارة الآسيوية إلى أقصى جنوب القارة الافريقية، فالسياسات المتّبعة من المحفل الماسوني، أنّ كل زعيم غربي أو عربي لا يمكنه طرق أبواب الحكم والتربّع على البلدان أو المستعمرات إلاّ ولابدّ أنّ يدين بالولاء والبراء إلى هذا المحفل اليهودي، والذي هو هرم سياسي خفي يدير العالم من وراء الستار بقوة الحديد والنَّار والانقلابات والقلاقل والازمات والاغتيالات وكل شرّ مضمر ولمن سوّلت له نفسه التجرّد من هذا الحلف الشيطاني اللّعين..
وَمِمَّا زاد الطين بلّة كما يقال إنّ شاء الله أنّ أقوات وخيرات العالم غرسها ربي في باطن بلاد الاسلام، ومنذ اكتشاف الذهب الاسود والسائل الزبرجد ( البترول والغاز ) أحكم العالم الغربي سيطرته على العالم الاسلامي، وأصبح بذلك الآمر والناهي، فأوصل بذلك ملوكا وأمراء وروؤساء إلى سدّة الحكم، فمنهم من يحكم بالوراثة، ومنهم من جاء على ظهر دبابة، ومنهم من انقلب على العامة، ففقه القوة وفرض أمر الواقع الذي يخدم الغرب هو السياسة المتّبعة في ترسيخ نمط الحكم في أي بلاد شاؤوا، والذي يخرج عن الوصاية والتبعية مآله حرب أهلية وزعزعة ولاّ استقرار ومقتلة عظيمة، ومن أراد التنصُّل من البروتوكولات الموقّعة والمأخوذ عليها العهود في المحافل الدولية يتم طرده والانقلاب عليه وحتى تصفيّته إنّ لزمت الامور، فالقوم منطّمة اجرامية بقوانين أممّية، تشريعهم في الامم المتّحدة، وقوتهم في مجلس الامن الدولي، ومحاكمهم في لاهاي وما شابه، ولا يكترث القوم في شنّ حروبا على البلدان بجيوش جرارة، وما العراق وما جرى فيه ببعيد، ومنها أيضًا يتظاهرون بلعبة الديمقراطية والوصول إلى الحكم بآليات الاقتراع والصناديق، ولا يكون إلاًّ ما يريدون، فالجزائر وما حدث فيها من مجازر، وغزة وما جرى فيها من قلاقل، والبارحة في مصر وكلام آشتون لخير دليل لمن له قلب وعقل سليم.
فالأحداث وما تنتُج من سياسات تجعل العقلاء واستنتاجاتهم أمام معضلات أو معادلات يصعب حلّها من كثرة التعقيدات وجهل العامة بما خِيط لها من مؤامرات على مدى عشرات السنين من المكر والدهاء وكيفية غرس في المسلمين أساليب التبعية بالرضى أو الإكراه، فمن يحكم بلاد الاسلام اليوم دول في دول، وقوانين في قوانين، وسياسات في سياسات، فالأمور في النظر متشابكة ولكن في الحقيقة هي مدروسة ومخطّط لها، ففي حكم الوراثة يضبط كل ذلك مدى الولاء للغرب والمحفل الصهيو-صليبي أو الماسوني، وكذا في بلدان الجمهوريات إذ الحكم في يد العسكر وماذا ولاءهم لِما ذُكِر، فلذا تُسلَّط العجائز المعوّقين والمخبولين والغير المؤهلين للحكم فهم من يحكم بلاد الاسلام ظاهرا ويضبط كل ذلك العسكر الموالي للغرب وللناتو وأمريكا على هرم الحكم في كل هذا التسلسل من السياسات، والذي تسوّل له نفسه الخروج عن المنظومة الدولية أو ما يسمى بالدولة العميقة فالجزائر كانت خير مثال، واليوم سورية كذلك لأحسن موديل، فلا يهمّ الغرب إن قُتِل ثلاثة أرباع من المسلمين على يد الدمى التي تحكم في البلدان الاسلامية إنّ مُسَّت خيراتهم الباطنية ورأس مالهم في عالمنا، فحلف الناتو أُنشئ لأجل هذا الهدف وليس لغير هذا الهدف، وما تغنيّهم بالحريات وحقوق الانسان والكلام المعسّل لمِن خبث سريرتهم وشعارات للتخدير والتغلغل في المجتمعات الجاهلة بالأمور والسياسات المبطنة، ولمّا كشف أبناء الأُمَّة اليوم زيف المجتمع الدولي وكذبة حرمة دم الانسان وكرامته، راح المجتمع الغربي إلى سنّ قوانين تخص هذه الفئة التي كشفت زيفه وأدرجتهم تحت بنود خارجة عن العرف والقانون كالإرهاب ومشتقّاته، واتبع وللأسف جل أبناء الأُمَّة في ذلك المجتمع الغربي إلى أنّ أصبح الشريف في أعين أبناء عقيدته ودينه مجرما منبوذا، وأصبح الصليبي الحاقد المسيحي المخلّص، فيا أمّة ضحكت من غفوتها وغفلتها الامم، فهل من استيقاظ وكسرٍ للقيود.

السلام عليكم

==========================
كتبه : نورالدين الجزائري

17 جمادى الاولى 1438 الموافق ل 13/02/2017



dimanche 12 février 2017

مقال بعنوان "الاخوان المسلمون وقانون الارهاب الامريكي الجديد وفقه المطامع" بقلم المدون نورالدين الجزائري


الاخوان المسلمون وقانون الارهاب الامريكي الجديد وفقه المطامع ..


وأخيرًا جاءت الضربة القاضية على يد من ركبت ظهور الاخوان المسلمين مباشرة، على يد نموذجهم في السياسة المعاصرة، على يد من اتخذوا سبلها للوصول الى الشريعة زعمهم، على يد من جعلتهم ألعوبة سياسية اضرت بالإسلام كعقيدة ومنهج حياة اكثر، على يد من جعلتهم صحوات تقاتل بالنيابة عنهم في كل بقعة تواجد فيها المخلصون، على يد من جعلتهم مطايا حروب للنيل من الدين وتخريب البلدان والاوطان، على يد امريكا صاحبة العدل والمساواة في أعين الاخوان المسلمين والتي ستدرجهم كمنظمة ارهابية بعد سلسلة اعمال جليلة لها، كمنظمة محظورة عالمياً، انّها سياسة المصالح التي لم تدركوها يومًا وظننتم انّكم تحسنون صنعًا ..
هذه المنظمة رأت النور على يد مؤسسها الاول وأبيها الروحي حسن البنّا في أواخر العشرينات من القرن الماضي، وتأسست كمشروع ديني نهضوي، وسياسي معارض لحكم مصر في وقتها، وكجماعة اجتماعية تخدم مصالح المعوّزين من المصريين لأهداف ترسيخية مستقبلية، وتطورت الى ان اصبحت حزبًا سياسيًّا بعدما كانت ترفع شعار الجهاد، جهاد المستعمر البريطاني والفرنسي والانتداب، ومن بعد ذلك عرفت توسّعًا في مصر وبعض بلدان الشرق الاوسط، وشاركت بعد ذلك كمنطّمة شبه مستقلة في حرب الصهاينة في عام تأسيس الكيان اليهودي على ارض فلسطين في 1948م، وعرفت الحركة تطورات كثيرة ومثيرة الى ان نبذت الجهاد وما سمّته في أدبياتها بالعنف، وتدرجت في ذلك كما كانت سياستها في الحكم على الصعيد التنظيمي والحزبي الى ان اصبحت حزبًا يرفع شعارات لا يمت لها أصلاً ولا فصلاً، وتبنّت الديمقراطية كبديل عن الشريعة للوصول الى الحكم، الى ان جاء الربيع العربي، فركبت موجاته وتبنّت بعض حلقاته وفصوله، ووصلت الى حكم مصر بعد الإطاحة بحسني مبارك، وشهدت مصر بعد انتخابات شفافة شارك فيها الشعب المصري بكل اطيافه وجعل من محمد مرسي اوّل رئيس من جماعة الاخوان المسلمين يتقلّد اعلى منصب في بلد تأسيس هذا الحزب المخضرم ..
والدّارس لسيكولوجية هذا الحزب يقف على رؤيتين وخلاصة، فالاخوان المسلمون يتبنون الشريعة كمقصد نهائي ويسيرون لذلك على نهج الديمقراطية للوصل، وهي براغماتية في الفهم والعمل، فالقوم عندهم الغاية تبرر الوسيلة ممّا جعلهم في تناقض مستمر سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، فالتلوّن من مبادئهم حسب المعطيات والظروف ونمط مظلّة الحكم الذين هم تحته، فهم دائمًا يتزلفون للأقوى من اجل طموحاتهم وغاياتهم، فَهم اوّل من بارك حكم الخميني في ايران، وأوّل من بارك حزب أربكان وبعده اردوغان، ويتعاونون مع الأفعى ان كان سمّها ينفع في ترياق القوم، فمن اجل أجنداتهم تحالفوا مع الأمريكان في العراق، وجعلوا من أنفسهم صحوات، وكذا شاركوا في حكم العراق مع الروافض بلا خجل، وذلك من صنم جلب المصالح ودرء المفاسد، وتزلّفوا من غزٌة لايران باسم فقه المصالح، وعند اول حكومة لهم في مصر تحالفوا مع العسكر على جماعة بيت المقدس في سيناء حتى جعل مرسي لملفِّهم قاضيا قبطيا نصرانيا يتولى الحكم عليهم، ومن قبل في الجزائر ساندوا الانقلاب على حزب إسلامي اخر حَسَدًا وغبطة، فهم طروادة في جس نبض الجماعات الاسلامية الاخرى والوقوف في وسط الطريق لاغتنام المصالح في الأوقات المناسبة، فهذه السياسة من افقدت النَّاس نصرة دين الله بالفطرة، فالجهل نصف ما تعاني منه الامّة اليوم والنصف الاخر أجهزت عليه مثل هذه التصرفات الحرباء والتي جعلت المجتمعات الاسلامية متناحرة بعضها البعض وعدم التفرّغ لمن هو جاثم على سياسة الدول بفقه الحديد والنَّار ..
فالخلاصة في فهم الاخوان المسلمين ما يجسّده رئيس تركيا على واقع مفهوم السياسة في بلده، ففي حكمه ازدهر الاقتصاد والمحرّمات المعلومة من الدين بالضرورة، الانخراط في الناتو كاملا من افغانستان الى العراق وسورية، قواعد للصليبيين، ميليشيات مقاتلة في سورية بعشرات الآلاف، لا تقاتل من قتل نصف مليون من المسلمين وتشريد ثلث الشعب السوري وهو في عقيدة المسلمين من الكفّار، بل تقاتل بعملائها وخاصة شركة احرار الشام الاخوانية كل من يريد تطبيق شرع الله والاستقامة عليه، فلعل القنوات الإعلامية شاهدة على صنع الاخوان اليوم في سورية واصطفافهم في الأخير مع الجلاد ( بشار الاسد ) في قتال "الخوارج"، وزد على ذلك اخوانهم في العقيدة في العراق واصطفافهم مع الروافض لقتال اهل السنة، والمخازي عديدة وعظيمة ولا تُحصى، فهم في اخر المطاف باطنية في الغريزة بفهم قومي علماني لا يمت للإسلام السياسي بصلة او بالسياسة الشرعية فهماً وتطبيقاً، فالقوم عقيدتهم المناصب والكراسي والانخراط في المنظومة الدولية بفهم الوقت ومصالح الأُمَّة وان كان ذلك على الثوابت واصل مدار العقيدة ..
فقانون امريكا اليوم المطروح على مكتب البيت الابيض لتجريم الاخوان المسلمين ووضعهم في قائمة الارهاب لمن قاعدة من هان يسهل الهوان عليه، ولا شكّ ان وراء ذلك بلدين معلومين في التحريض عليهم، ولكن امريكا تجيد مسك العصى من الوسط، ولا شكّ ان المحرض عليهم يخدم اجندات امريكا في المنطقة سياسيا واقتصاديا وتبعية، والتجريم سيقابله اردوغان تركيا وهي حليف قوي في مكافحة "الارهاب" حاليا وبطائرات وميليشيات وحتى بعساكرها على ارض سورية، واصطدام المصالح لا بمكن ان يخدم الحرب على الارهاب حالياً، لكن ملف الاخوان المسلمين سيوضع في درج مكتب البيت الابيض الى حين الانتهاء من المهمة الموكلة لهم في العراق وسورية ومستقبلا في سيناء، والقوم بعملهم هذا يريدون التزلّف للكبار ونيل رضى المجتمع الدولي في الملفات الساخنة في المنطقة، وان مصالح الكبار من مصالح القوم في تخدير المسلمين والقفز على مكتسبات الامة الاخيرة، فالاخوان لا يزالون في حلف مع الشيطان حتى خروج الدجال، وأخيرًا انّ الطماع لا ينتصر عليه الاًّ الكاذب، وفقه المطامع من فقه الكذب ومن افقه من الغرب في فهم المصطلحين ..!
السلام عليكم

=========================
كتبه : نورالدين الجزائري
16
جمادى الاولى 14388هـ الموافق ل 12/02/2017





samedi 11 février 2017

مقال بعنوان"وأخيرًا تتدخل امريكا وتنزل أرض الشام" ... بقلم المدون نورالدين الجزائري


وأخيرًا تتدخل امريكا وتنزل أرض الشام ..

فالزلزلة شديدة اليوم لتنقية الصفوف، وكأن أمرا ما يؤسس للفئة الثابتة والمخلصة يقيناً لا تعليقاً، فهل كان المخلصون ينظرون بعين اليقين ليجرّوا أمريكا و فضح دورها في الساحة السورية ومنها الإتيان بها إلى أرض المعركة والقتال المباشر، نعم أمريكا ستدخل سورية بعددها وعدّتها وخيلها وخيلائها ومرتزقتها ومعاونيها للقتال صفًّا مع النظام النصيري والايراني والتركي وأحلاس بعض جيوش المنطقة، ومع روسيا العدوة الصديقة الاستراتيجية، عدوة المصالح والحبيبة في قتال المسلمين، نعم امريكا ستنزل دابق وهذا وعد الله، ووعده يسبقه ترشيحا وتأسيسًا، ويريد الله إلاًّ أن يتمٌ نوره ولو كره من في الارض جميعًا، ويحقّ بذلك سننه على من أنكر أو كذّب آياته ..
يا سادة، إنّه زمن كشف كل الاقنعة في المنطقة، زمن رؤية العدو مباشرة، زمن رؤية التحالفات العلنية والخفية، زمن رؤية القتال على المباشر أو بالنيابة، زمن رؤية الاحزاب مجتمعة من مرتدين ومنافقين وصليبيين ويهود، زمن رؤية مرتزقة الدرهم والدولار، زمن الخوالف عن داعي الله، زمن هروب جيوش المنطقة من نصرة الحق وإدارة الطهور للمستضعفين من المسلمين، زمن الأقدام الثقيلة وسياساتها الإملائية، زمن الروم والفرس والاعراب، زمن الفئة المؤمنة الثابتة ثبوت جبال الثلوج في صحاري المناطق العربية، زمن المؤامرات والتحالفات والتكدّسات على من أراد تطبيق شرع الله، زمن التفاهم الدولي لإرجاع القطيع إلى حضيرة عُبَّاد الصليب الجاثمين على صدور المسلمين في المنطقة وفي عالمنا الاسلامي، زمن التحذير من مآلات الثورات والخروج على الأنظمة الوظيفية، زمن رمي الغرباء بشتى المصطلحات المنفّرة، زمن أصبح فيه المخلص إرهابي وخارجي، زمن قوى الشرّ المتعاونة والمتكاتفة فيما بينها لإخماد كل ما هو إسلام سلف القرون الثلاثة الاولى، فسبحان من جمع هؤلاء كلهم وفضح سريرتهم وعلانيتهم أمام رؤوس الأشهاد في الدنيا، فلكل زمن عواره ولزماننا هذا خاصة عاهراته ..
فبعد هزيمة امريكا المفاجئة في العراق على يد المجاهدين واستنزافها طيلة سنوات، تعلَّمت الدروس من حربها مع فئة من المسلمين معيّنة لا تغرنّهم دنيا ولا منصب ولا أموال، فقد رأت منها الويلات في المنازلة ومن التخطيطات أدى بها إلى الفرار مرحليًا من ساحة القتال وإخلائها للمعين الغادر الفتّان، أخلت بلاد الرشيد وسلّمته لإيران تديره بالنيابة عنها ريثما تستعدّ الانفاس من هول الجحيم والقتال، فانسحبت من العراق تكتيكيا كاستراحة محارب لتقييم الأوضاع ودراسة المرحلة برئيس جديد للولايات المتحدة الامريكية، فمرحلة بوش الابن شهدت قتالا مباشرا مع المجاهدين، وأبَـى أوباما من بعده إلاًّ أن يغيّر سياسة امريكا في المنطقة بلعب دور المنسحب من كل الملفات الساخنة، واقتصار الدور على الاستثمار في الروافض وعلى رأسهم ايران وكان ممّا كان إعطاؤها الضوء الأخضر للهيمنة على المنطقة وخاصة على المارد السنّي، ومن تجربة امريكا أيضًا أنّها استثمرت في عبقرية خدمات الدول الخليجية والتي اقترحت عليها قتال المجاهدين بسواعد أبناء السنّة في جغرافيا الوحّدين، حتى قال الخبير الاستراتيجي العسكري الامريكي ستيفين بيدل"أن الصحوات أنجح صفقة عسكرية بتاريخ الحروب وخاصة حروب المدن والعصابات"، وفعلا كان للصحوات دوراً في إضعاف المارد السنّي حتى أخرجوه إلى صحاري وشعب ووديان العراق إلى أن انفجرت ثورة سورية، فخرج على إثرها المجاهدون مرة ثانية وبخبرة أخرى أذهلت العالم في فنون القتال والمواجهة، فرأت امريكا أنّ عليها التريث والمراقبة عن قرب لكل حدث وحادثة في المنطقة، فبتسارع الأحداث وخطورة الأوضاع وقوة الخصم اضطرت امريكا إلى التدخّل عبر وكلائها في المنطقة من جيوش احتياطية، من ايران على الارض وكلابها الميليشياوية، إلى الحكومات الوظيفية بفتاوى طازجة جاهزة، فالقوم جعلوا الأضداد في تحالف غير مسبوق انبثق من خلاله تحالف عالمي تديره امريكا من وراء الكواليس، فلجأوا إلى رسم الخطط تلو الخطط وبمراحل لشيطنة الخصم والنيل منه في ساحاته وعند جمهوره، فالحرب المعلنة اليوم على جميع الاصعدة لم تترك امريكا سبيلا إلاًّ سلكته للنيل من خصم تعرفه ويعرفها ولكن هذه المرة أقوى من ذي قبل وفي تحدي عالمي صريح تكلّم عنه حتى سكان غابات الأمازون ..
امريكا لم تخرج من المنطقة، امريكا صاحبة خطط واستراتيجية ومراحل متطلّبة حسب التحديات والأجندات، فمنطقة الخليج عَصب اقتصاد امريكا والغرب، بنك الغرب الاحتياطي، فمن السذاجة بما كان التوهم أن امريكا في عهد اوباما تخلّت عن المنطقة وَمِمَّا يجري فيها، بل بالعكس لم تشهد امريكا تخطيطا محنّكا كهذه المرحلة من مسكها للخيوط من وراء الأستار والكواليس، فمن تجربة الصحوات تعلمت أنّهم حصان طروادة في الحرب نيابة عنها، فعدوّها ومن خوف عروش المنطقة منه فقد فتحوا لها الأموال والبنوك والموارد الطبيعية، فأضحت تتحكَّم مباشرة في أسعار البترول ممّا أدى إلى هيكلة اقتصادات المنطقة، واستثمرت في الملف النووي الإيراني إلى أن جعلت من ايران تتدخل بجنيرالاتها وحرس ثورتها في العراق وسورية، فسياسة العدو إعادة غربلة وفرز مفهوم القوة في المنطقة، فتكاتف الجميع وما خراج كل ذلك اليوم للرئيس الجديد دونالد ترامب لإكمال المرحلة الثانية من خطط امريكا في المنطقة، نعم امريكا مشت بمراحل متأنية مع عدو شرس تعرفه في ساحة القتال والمناورة، نعم امريكا حاربت هذا العدو الشرس بمراحل وها هي اليوم تعلن أنّها ستنزل مرة ثانية على أرض العراق وسورية، ومن ضمن خططها افشال ومحاولة استئصال عدوّها حتى تتعدى هاجس النزول للقتال المباشر معه، فترامب اليوم في مرحلة ثانية من التخطيط في المنطقة للقضاء على المارد السنّي ومعه خيرة جنرالات حقبة بوش في غزو العراق كمستشارين وسياسيين لإدارة المرحلة، ولا يخفى عنه وعن فريق عمله الطابع الصليبي وهذا ما أكّده الصحفي والكاتب برادلي بيرستون في هاآرتس الإسرائيلية حيث قال من أيام قلائل فقط : "يريد دونالد ترامب الحرب، لكن ليس أي حرب، فهو يريد استهداف غير المسيحيين في العالم وغير البيض، ويريد حربا مقدسة، وأسلحة النهاية التي يمكنه الاعتماد عليها، ولديه السلاح، واسمه ستيف بانون، وهو أيديولوجي، مدير فرقة الأرض المحروقة لدى الجمهوريين، الذي يتحدث عن الحرب المقدسة منذ سنين" ..، وهذا ما نشاهده اليوم ومنذ توليه الرئاسة استعماله لسياسة الارض المحروقة اتّجاه عدو امريكا الاول والأخير في وجودها ووجدانها ..
إنّهم يريدون استئصال دين الله والقضاء عليه بالضربة القاضية زعمهم، ولذلك اجتمع الأضداد، ايران والسعودية، بشار الاسد والجيش الحر، ميليشيات حزب الله وفصائل المقاومة، روسيا وتركيا، اجتمعوا كلّهم وعلى قلب رجل واحد ناسين الدماء والاشلاء والخلافات السياسية، فعدوّهم شرس لا يقبل بالدنية وسياسته إمّا يكون أو لا يكون وعند ذلك له عند رَبِّهِ المعاذير على ما قدّم، ولله الحكمة البالغة أن جمعهم على وجه رجل واحد وبدون قناع هذه المرة، يريدون دين الله فحسب، يريدون المناطق التي تحكم بشرع الله فحسب، يريدون ليطفئوا نور الله بأفواه نيرانهم ويأبى الله إلاَّ أن تجري فيهم سُنن الذين كانوا من قبلهم، فالزلزلة اليوم عظيمة كبيرة لأهل التوحيد، وما يعيشونه كتلك ( متى نصر الله )، ألا إنّ نصر الله قريب لا محالة، ومن المحن تأتي المنح، فترامب الرئيس الامريكي يعاني من فوبيا الدَرَج، ويريد بسياسته هذه القفز على الثمرة قبل التخلص من حارسها، فعسى رب المستضعفين أن يُسقِطه على وجهه فتتكسر أسنانه، والحرب سجال وكر وفر، وللكلام بقية، وما ربك بغافل عمّا يعملون ..
السلام عليكم

======================

كتبه نورالدين الجزائري
15
جمادى الاولى  1438الموافق ل 11/02/2017



vendredi 10 février 2017

مقال بعنوان : عهر العلماء في زمن الجهاد ... بقلم المدون نورالدين الجزائري


عهر العلماء في زمن الجهاد ..

لم تسلم حقبات تاريخ الأُمَّة من قوة وضعف وخمول بينهما من عهد الخلفاء إلى عصر المماليك والطوائف، ولم يُركن إلى دنيا أو طلبٍ لجاه أو ثروة بزخم وجشع كما هو الحال في هذه الأوقات المكشوفة، وكأن عقارب الزمن أضحت فيها كالشاهد على كل فرد فينا من خذلان لِلدِّين وكفر صريح، إلى موالاة الأعداء، إلى إدارة الظهر لمن أراد بِنَا طوق نجاة، والكلّ ينشد نفسي نفسي قبل يوم الله الموعود، أين لا ينفع مال ولا بنون إِلَّا من أخلص ونظر بغير عيون النَّاس من صون الأمانة التي فُطِر عليها الانسان، فالمسلمون اليوم أقاموا قيامتهم بأيديهم وهم في سعير كُفَّار الدنيا يُعذّبون ..
والعجيب من أمر علماء المسلمين اليوم أنّ الكل ينشد الظلم ويبكي وينحب، وتراه في كل يوم وليلة وتجمّع ومناسبة يرقص للظالم ويغنّي ويشجُب من حيث علِم أو لم يعلم، مازوشية تنظيرية بفهم "أوتيته على علم عندي"، نظرة قارونية مستعلية، واُخرى بلعامية بفهم وإن جلد أو ضرب ظهرك، مردوا على النفاق، نفاق المصلحة حسب الظروف وتقلبات المرحلة، ومشوا فيه سياسة، وفي أنفسهم دسائس وحيّل لكل ما هو في الأخير متاع زائل وروث برائحة، فلا لفهم الانسانية تقيّدوا، ولفهم الاسلام تمعّنوا، ولا لفهم الايمان عَمِلُوا، فالمصالح الشخصية فوق الدِّين والإنسان والعرف والعائلة، وأحيانا أكثر من الوالدين، فأصبح الواحد منّا لا يوالي إِلَّا من وال الدنيا ولا يحب ولا يعادي إِلَّا من أجلها، ولاء وبراء الشيطان مع أوليائه، مسخ في فهم الدُّنْيَا ومتطلبات الحياة، وأماني ونسيان بموعود الله الأكبر، وإن ذُكّر استعان بعقيدة الثالوث في الرحمة وبعقيدة الإرجاء في الايمان وبعصا الغلو في التنفير، فحبّ الدنيا عندهم دين وعليه ينعقد كل ولاء، فالركون إلى كل ظالم مسلم أو كافر من أجل دريهمات فهو منهج حياة ورفعة وشهادات، ووصول إلى غايات توزن بها الاقدار ومنها تتنزل الرحمات، ومن فهمهم فتح الشيطان جامعات وسلّمهم مقاليد التعليم في إعطاء دروس في فنّ التنظير وفهم الحياة ..
وقد جاء في الأثر أنّ الله عزّ وجل نادى موسى فقال له : "يا موسى ! لا يستوي حبّان في قلب رجل واحد، حبّي وحب الدنيا"، فرحم الله من عرف من الله مراده، ولبس لباس الأمانة وما فُطِر عليه ليري الله أحسن ما خُلِقَ لأجله، فللّه درّ الرجال الذين فهموا سرّ الخلق وباعوا النفس والنفيس للمشتري، فهم عصبة ونخبة الأُمَّة الحق في كل وقت من الزمن، يجتبيهم ربّهم ويهديهم سبله، ليكونوا شهداء على النَّاس فِمَا فرّط الجمع في جنب الله، ويكون الله شهيدًا عليهم وعلى صدق صنعهم، ويقيم بهم الدِّين في حين من غفلة المسلمين والاستكانة إلى الدنيا وتكالب أعداء الملّة والدِّين على حياض الله وعقيدة الموحّدين، فبالأمس وفي حين من ضعف الأُمَّة كان المسلمون يدًا واحدة إذا استنهضهم المخلصون، فما أن ينادى أو يصاح يا خَيل الله اركبي، و يا جنّة افتحي، اِلّاَ ويصطفّ أبناء الاسلام وراء أهل العلم والمخلصين منهم للذود على الثغور وإعطاء الدروس لكل من تسوّل له نفسه أو يجول في خاطره النيل من أُمَّة القرآن، فما بال المسلمين اليوم من تنصُّلٍ حتى من ثوب الدِّين واصطفافهم وراء أعداء الله في كل مناسبة وحين، ومن اعترض أو جاهد فحمم المصطلحات مخيطة على المقاس للنيل من شرفاء الأُمَّة ورميهم عن قوس واحدة، لا لسبب اِلَّا أن ما يُطلب منهم هو الحفاظ عن الأمانة، أمانة الدين وحراسة العقيدة، فَلَمَّا رأوْا الخيانة على كل الاصعدة، في السلطة والأحزاب والجماعات والافراد، كفروا بكل ما هو مخدّر ولا يصلح لِلدِّين والرعية، فتجرّدوا من قوَّتِهم وطلبوا المدد من العناية الإلهية، فما كان منهم إلاّ أن تميّزوا عن الأُمَّة وراحوا يعيدون بناءها ولتستقيم المفاهيم ويدب فيها روح العودة وعِظَم الأمانة، ولكن من الوهن تُخلْق العراقيل ومن ثمة الأصنام، عراقيل فهم المرحلة وأصنام من يقف وراء التعتيم لتشريح ومعرفة المصلحة، والتي بها تُدرَؤُ المفسدة، وما أعظم من الشرك وكلبه الجهل في فهم الواقع وما يُحيط بالاُمّة ..
وما أجمل ما قال شيخ الاسلام ابن تيمية -يرحمه الله تعالى- :" انّ العالمَ الحق يرى فعله أحبّ اليه من قوله"، وكم من علماء وخاصة اليوم كُثُر عارفين بالله غير عاملين، وكم من علماء قلائل عاملين بعلم من الله وعارفين به، فالكثير من علماء الأُمَّة اليوم اشتروا بآيات الله ثمناً قليلًا وأكلوا بعلمهم أموالا لا تُحصى وَصَدُّوا بذلك عن أمر الله وسبله، فبينما المسلمون يذبّحون في العراق وسورية وافغانستان وفلسطين وكشمير وليبيا وبورما تراهم في منتجعات تركيا، لا تسمع لهم في ذلك همسًا ولا ركزًا، قلوب ميّتة طلبوا الدنيا وَصَدُّوا عن عمل الآخرة، ركنوا إلى الظَّالِمِين ممن يسوّس الأُمَّة بسياسة امريكا والاممّ المتّحدة، رضوا بالزرع واطمأنوا للعيش مع أذناب البقر في حضيرة الاوطان والحدود الزائفة، يقولون بلسان طغاتهم أنّ كل مصلحٍ مخرِّبٍ وفتنة لِلنَّاس ودينهم، ونسوا أو تناسوا أنّ العالم هو الفتنة إن لم يبلغ رسالات رَبِّهِ ونهى النَّفْس عن الهوى، وفي ذلك يقول الإمام الغزاليّ -رحمه الله-:" واحترز عن الاغترار بتلبيسات علماء السوء فإنّ شرّهم على الدين أعظم من شرّ الشياطين ، إذ الشيطان بواسطتهم يتدرّج إلى انتزاع الدين من قلوب الخلق "، فبصمّتهم أسالت دماء المسلمين لإرضاء الحكّام الملعونين، وليت شعري وقفوا أمام آيات بلعام بن باعوراء وكيف ذمّه رب العالمين، واضرب مثلا وصنفًا آخراً لأهل العلم، الذين زعموا أنّهم من أهل التوحيد وصنّفوا في ذلك الكتب والمراجع والرسائل والمقالات في إرجاع الأُمَّة إلى نور الطريق، ولمّا كانت نازلة العراق وخاصة الشام بان عوارهم لمن تبِعهم قدوة وعلمًا وتأصيلا، فكُشف زيف أدعائهم ونتانة حزبيّتهم وتعصّبهم لمنهجهم ونهجهم وللأشخاص ولكل ليس من حاشيّتهم وحوزتهم، ففرّقوا أكثر ممّا جمّعوا، وشقّوا الصفوف أكثر ممّا رصّىوا، فكانت الحالقة في الشام لخير أبناء الأُمَّة ممن خلُص دينه لربّه وسمع النصيحة من علم وتنظير للواقعة، وما أحكم كلام حاتم الأصم -رحمه الله- في هؤلاء الصنف من علماء التنظير، حيث يقول :" ليس في القيامة أشدّ حسرة من رجل علّم الناس علماً فعملوا به، ولم يعمل هو به ففازوا بسببه وهلك هو "، فسبحان الله إنّها لآيات تتجلى أمامنا اليوم وكأن صفحات التاريخ فُتّحت أوراقها لنقرأ من جديد، فما أقبح هؤلاء على الساحة الجهادية، وأنّ فعلهم كان من أجل سياسة وهي لا أريكم إلاًّ ما أرى، فسبحان الله وما انقشع من زيفٍ في ظلمات الفتن وما بان للورى .
لا تحسبوه شراً لكم أيّها المسلمون، أيّها المخلصون، أيّها الموحدون، بل هو خير لكم، فإن الفتن تشرف بنيران التمحيص، تصقل العالم أولا وتضعه أمام علمه، فمن عمل بعلمه وبيّن لِلنَّاس المصلحة من المفسدة، والنافع من الضار فذلك هو العالم الربّاني الحقّ الذي يخشى الله فيما علِم، ومن نادى بالمصطلحات لينفّر النَّاس من الحق المستبين ويدعو إلى الشرك العظيم فذالكم عليه لعنة الله والملائكة والنَّاس أجمعين، فهل يُسمَع لمن نادى بأن قِتَال العدو الصائل من الفتنة والخراب المبين، وهل يُرجى موعظة ممّن يتزلّف للحكّام الملاعين الذين يوالون الكفر العالمي اللّعين، وكيف وهم يَرَوْن بما يُفعَل بالمسلمين ليلاً ونهاراً وعلى مسمع الخلق أجمعين، فسكوت هؤلاء رشوة، وصمتهم ذهب وفضّة، وتلبيسهم على النَّاس ردّة ولا حول ولا قوة إلاًّ بالله ..
فإن علماء الأُمَّة الحق لا يقفون على مسافة ما بين الحاكم والرعية، بل يصطفون دومًا ودائماً مع مراد الأُمَّة، والاُمّة اليوم تنهش من كل جانب وحدّ وصوب بعد أنّ تداعت عليها الامم من كل الجوانب، فكيف للعلماء أن يتفرجوا على حياض الدين وهي تُهدم من القرامطة وأعداء الملّة وهم لا يحركون ساكنا ولا يعملون لصد الهجمة، وكيف لمن يتشفّى فمن هو من غير حزبه، ويجعله أشدّ قتال من العدو الصائل، أوَ ليس المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ولا يعتدي عليه، فإنّنا أصبحنا في زمن لم نعد نفهم هؤلاء العلماء ومن أي علمٍ درسوا وفهموا والأمّة تموت بفتواهم ولا حول ولا قوة إلاًّ بالله ..
فنصيحتي لهؤلاء العلماء من أثر ابن مسعود -رضي الله عنه-:" كفى بخشية الله علمًا، وبالاغترار جهلاً "، فحظّ النفس تمكّن من هؤلاء وهؤلاء، والضحية الأُمَّة وما تعاني من هجمة لا خالد بن الوليد -رضي الله عنه- لها سيفًا ينصرها، ولا عالمًا جهبذًا كابن تيمية -يرحمه الله تعالى- نموذجا في الصدع بالحق وتصدر راْس المجاهدين في صدّ الهجمة، واذا نكس العالم عن الطريق ولم يقول بالعلم ويرشد إليه ويركب جواده، فكلام الرافعي له دواء، حيث يقول :" ما يحسن بحامل الشريعة أن ينطق بكلام يردّه الشرع عليه؛ ولو نافق الدين لبطل أن يكون ديناً، ولو نافق العالم الدينيّ لكان كلّ منافق أشرف منه؛ فلطخة في الثوب الأبيض ليست كلطخة في الثوب الأسود، والمنافق رجل مغطّى في حياته، ولكن عالم الدين رجل مكشوف في حياته لا مغطّى؛ فهو للهداية لا للتلبيس، وفيه معاني النور لا معاني الظلمة؛ وذاك يتّصل بالدين من ناحية العمل، فإذا نافق فقد كذب؛ والعالم يتصل بالدين من ناحية العمل وناحية التبيين، فإذا نافق فقد كذب وغشّ وخان".
السلام عليكم

=======================

كتبه : نورالدين الجزائري
14
جمادى الاول 1438 الموافق ل 10/02/2017