Rechercher dans ce blog

mardi 28 février 2017

مقال بعنوان " محنة أهل التوحيد في الدِّيَار " ... بقلم المدون نورالدين الجزائري


محنة أهل التوحيد في الدِّيَار..

إنّنا أمّة لا تموت وإن ظنّ أعداؤها بإنسهم وجنّهم محاربتها لاجتثاثها، أمّة ولّادة للرّجال في كل عصر وخاصة في زمن الوهن والريبة، أمّة تُبعث من تحت الخمول لمّا تكون المجتمعات تحت اثر الترف والخمور، أمّة تذبُل ولكن خصبة الأرض والعطاء والاقدام لسعادة الغير وبلا شكور، أمّة الرجال في كل ظرف ونيّة مبيّتة، أمّة اليقين عند المحن والإيمان بغدٍ أرحم، أمّة كُتِب عليها التكالب، لا لشيء إلاّ لإيمانها بالله رب العالمين بوحي وعلم وعمل، فرُبَّ محنة ومن ورائها رفعة وعزّة، وكذلك في أصحابها أو أهلها قرآن يُتْلَى أنّ لا مفر من الفرز حتى يستقيم على دمائهم وأشلائهم فجر الأمّة ..
فاليوم يوم العصبة المؤمنة ومن اجتباهم الله وطَهّرهم لرفع راية لواء التوحيد والهمّة، يوم فرز الصفوف ومن ستُوكل إليه المهمّة، مهمّة الأمانة، أمانة الدين وحفظ بيضة الأُمَّة، فها هم أعداء الامس بحلّة جديدة اليوم على أسوار مفهوم الدِّين وصحيح الايمان لأهل السُنّة، صليبيون ويهود ومجوس ومنافقون، يعاودون الكرَّة تلو الكرَّة ومبتغاهم واحد، وأمانيّهم شتّى، يريدون الحق الذي في صدور الغرس الأوّل من أهل الصحبة، وإيمان دار الأرقام ونهج أصحاب السقيفة في تثبيت حكم الله ورسوله ومفهوم الأمانة، فما كان من هؤلاء العصبة المؤمنة إلاّ المبايعة على فهم الوحيين وسبيل الجيل الأول من الصحابة وعلى طريق القرون الثلاثة في إرجاع مجد الأُمَّة، فما كان منهم إلاّ صفقة بين البائع والمشتري اُبرِمت ولا تراجع إلاّ حين تضع الحرب أوزارها، فربّك المدبّر والميسّر لما آلت وستؤول إليه أوضاعهم ، فالأمر المطلوب لَبّى النداء والسمع والطاعة لنموس القتال، قتال من يريدون بالمسلمين العبودية، من يريدون بالمسلمين التبعية، من يريدون بالمسلمين مسخًا بلا عقيدة ولا هوية، فهيهات في قاموس رجال الأُمَّة المذلّة، بل عند بلوغ نِصاب الايمان فالواحد منها يغلب مِئة بحول الله وقوته ومعيّته وبالبيان، فاليوم ومع ما آلت إليه الأمور في معقل أهل السنّة وتحزّب ملل الكفر العالمية، قيّض الله لهذه الأُمَّة رجالا صدقوا ما عاهدوا الله عليه، وأبلوا بلاء عجبًا، ظاهره المكيدة وبَاطِنه تدبيرا، فقد رمتهم الدنيا عن قوس واحدة بعد أن أسسوا للمسلمين ترشيحًا، وأعادوا لهم عزًا منهوبًا، فالله در الموحّدين في زمن الكفر العالمي اللّعين ..
فمحنة الموحدين اليوم كمحنة التابعي سعيد بن جبير وجبروت الحجَّاج للمسلمين وله لمّا بايع ابن الأشعث ورأى فيه الصلاح للحكم وحراسة الدين ورفض الظلم والطغيان، فكذا اليوم أهل التوحيد لا يَرَوْن بيعة لمن لا بيعة له أصلا ومنهم من ظاهر أهل الكفر على المسلمين علانية، ومحنتهم أيضًا كمحنة الإمام الفذ أبي حنيفة النعمان مع الخليفة المنصور في القضاء وما أنزل الله، فرفض الامام إلاّ الحكم بما أنزل الله في الصغيرة والكبيرة ورمى وراء ظهره نزوات المنصور، فما كان من الخليفة إلاّ سجنه حتى تولاه الله فيه، فأهل التوحيد لمّا رأوْا أن القضاء اليوم حكمه من دساتير الغرب كفروا به وبموادّه فما كان من الحكّام إلى الزجّ بخيرة علماء الاسلام في غياهب السجون، ومحنة أهل التوحيد كالتي ألمّت بالامام أحمد بل أشدّ وصفًا وأعلى درجة، فالإمام أحمد سُجِن وعُذّب في محنة القول بخلق القرآن، وردّ عادية الجهمية والمعتزلة، وأثبت بالحجة والبيان أن القرآن كلام الله المنزّل على رسوله -صلى الله عليه وسلم- وبفضل ثبوته على الحق كان له ما كان من ذكر ومقام إلى يوم النَّاس هذا، ومحنة أهل التوحيد محنة أشد وأعظم شأناً، وهي في لبّ العقيدة وإثباتاً للألوهية والربوبية في التوحيد والايمان والحكم، فما كان مطلبهم إلاّ الحكم بما انزل الله في القضاء والعقود والدماء وهي ما أجمعت عليه الأُمَّة من مقاصد الشريعة، فمحنتهم أنّهم اصطدموا بحكّام مبدلين لشرع الله وإن لم يقولوا بخلق القرآن فقد عطَّلوا أحكامه وفروضه، فذاك من الصفات وهذا من صريح الاعتقاد فَأَنَّى للعاقلين الابصار.
فرحم الله شيخ الاسلام بن تيمية وصدعه بالحق لما رماه علماء زمانه بالفرية، فناظروه في صريح الاعتقاد فردّ عليهم العادية، ولمّا ابتُلي المسلمون بالتتر فكان في أول الصف حاملا السيف والمصحف قائلا لأهل العلم إن رأيتموني في ثغر الترك فاضربوا عنقي ولا تبالوا، فبصدقه أصدقه رَبّه حتى دُحر التتر من الشام، فلم تنطلي عليه الحِيّل من اعتناقهم لدين الاسلام حتى قال فيهم وما يعتقدون في الياسق ما قال، فداسه بنعله الشريفة وما بدّل تبديلا، فأهل التوحيد اليوم من مشكاة علم شيخ الاسلام ابن تيمية، وكأن قلمه اليوم يرد على الجهمية والمرجئة والقبورية والروافض والنصيرية والملاحدة وأهل الملام والزنادقة، فقد منّ الله عليهم بعلماء سدّوا ما سدّ شيخ الاسلام من ثغر في الردّ على الخصوم ونصرة للحق وللعصبة المؤمنة، فكم منهم اليوم على راْس الملاحم في العراق والشام والبلاد الاخرى، وكم منهم في سجون الحكّام وما زَاغُوا ولو قليلا، وما زادتهم هذه المحن إلاّ ثباتا وتمسّكا بنهج النبوة، فنسائمهم أعاصير عاتية على رؤوس الكفر والنّفاق الظاهرة، وكلامهم بلسما ونورا وضياء لجموع المسلمين الحائرة، فيا أيّها السادة فحبّكم عبادة ..
وكم من أحمد ابن أبي دؤاد اليوم رأس الإرجاء والاعتزال والتجهّم، من أجمع أمره على أهل التوحيد للنّيل من اعتقادهم ورميهم بما ليس فيهم من غلو وخارجية ومعتقد الحرورية، ونادى بالعلماء وطلّاب العلم من في حاشية السلطان وبعض العامة من النَّاس في المدائن أن هلمّوا إلى كشف زيف الأزارقة الجدد وكلاب اهل النار المارقة، فجمع لذلك كل من هو تحت راتب الأمراء والروؤساء والملوك، وفي رغد العيش معشش وبحمد ولي الامر منكوش، لمحاولة صدّ الخوارج الجدد عن ما رسمه صهيون والصليب والمجوس، فما كان من أهل التوحيد إلاّ كشف زيف حجج وزيف اعتقاد أحفاد ابن أبي دؤاد لإبقاء حكم الآلهة الجدد المبدّلين لشرع الله المجيد، فما كان من اتباع ابن أبي دؤاد إلاّ القول بأن اخرجوا هؤلاء المارقة من قريتكم إنّهم أناس يتطهّرون، ولدين الاجداد مبدّلين، وإن عجزتم عن قتلهم قتل عاد فاستعينوا بأمم الكفر فإن نحن أهل الفتوى وبها نستحلّ ما هو حرام ومعلوم من الدين بالضرورة، وعليكم بالشيك والمكانة والقرب منكم وأنّنا لنصرتكم جاهزين، فأصابهم بما قال أهل بلعام محنة جعلتهم يقولون أنّها في سبيل الله وهذا طريق الاولين فسوف تهون ..
فالمحنة في الأساس منحة، فهي الطريق إلى سلامة المنهج، وجسر لغربلة الصفوف وصقل المعادن وإرجاع الأُمَّة إلى العزّ، فتارة تتجسد في فرد اختاره الله لينصر به مذهبا كتلك لشيخ الاسلام ابن تيمية، وأحيانا تتجسد في جماعة يريد أن ينصر الله بهم دينه كتلك للشيخ محمد ابن عبد الوهاب وأعوانه، فكما أن لكل إمام محنة فكذا لكل جماعة محنة، ومحنة الفرد أهون من محنة الجماعة، فالفرد غالبا ما يذود عن العقيدة، والجماعة غالبا ما تسلك سبل الصحابة في الحفاظ عن الرسالة، فمحنة أهل التوحيد اليوم لا نظير لها من حيث الأذى في الدين والغربة بين الأهل والنَّاس عامة، فقد اجتمع القريب والبعيد على محاربتهم واجتثاثهم من قاموس التعريف الجديد للإسلام وعقيدته، فهي المرة الثانية التي يتعرض إليها أهل التوحيد إلى هجوم شامل كاسح ومزلزل لاستئصالهم ومحو مصطلح الهزيمة عليهم، فالمرة الاولى كانت يوم الاحزاب، وهذه المرة بتحالف عالمي ضد الارهاب، فمبتغى القوم واحد هو دين محمد، فمن تأمّل لطف الله في محنة البارحة واليوم فسوف يدرك أنّ الله مع الذين اتّقوا والذين هم محسنون، وكما أنّ الله نصر الأولين بصبرهم وثباتهم وحسن ظنّهم بربّهم فقد جرت سنّة الأولين في الآخرين من حيث صحيح الاعتقاد والإنابة، وأنّ كأس الصبر إذا امتلأ تصير المِحنة إلى منحة وعطاء، وإذا أعطى الله يُدهش فحينها فيا فوز الموحّدين ..
السلام عليكم ..
=========================

كتبه نورالدين الجزائري
02
جمادى الثانية  1438الموافق ل 28/02/2017




Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire