Rechercher dans ce blog

vendredi 10 février 2017

مقال بعنوان : عهر العلماء في زمن الجهاد ... بقلم المدون نورالدين الجزائري


عهر العلماء في زمن الجهاد ..

لم تسلم حقبات تاريخ الأُمَّة من قوة وضعف وخمول بينهما من عهد الخلفاء إلى عصر المماليك والطوائف، ولم يُركن إلى دنيا أو طلبٍ لجاه أو ثروة بزخم وجشع كما هو الحال في هذه الأوقات المكشوفة، وكأن عقارب الزمن أضحت فيها كالشاهد على كل فرد فينا من خذلان لِلدِّين وكفر صريح، إلى موالاة الأعداء، إلى إدارة الظهر لمن أراد بِنَا طوق نجاة، والكلّ ينشد نفسي نفسي قبل يوم الله الموعود، أين لا ينفع مال ولا بنون إِلَّا من أخلص ونظر بغير عيون النَّاس من صون الأمانة التي فُطِر عليها الانسان، فالمسلمون اليوم أقاموا قيامتهم بأيديهم وهم في سعير كُفَّار الدنيا يُعذّبون ..
والعجيب من أمر علماء المسلمين اليوم أنّ الكل ينشد الظلم ويبكي وينحب، وتراه في كل يوم وليلة وتجمّع ومناسبة يرقص للظالم ويغنّي ويشجُب من حيث علِم أو لم يعلم، مازوشية تنظيرية بفهم "أوتيته على علم عندي"، نظرة قارونية مستعلية، واُخرى بلعامية بفهم وإن جلد أو ضرب ظهرك، مردوا على النفاق، نفاق المصلحة حسب الظروف وتقلبات المرحلة، ومشوا فيه سياسة، وفي أنفسهم دسائس وحيّل لكل ما هو في الأخير متاع زائل وروث برائحة، فلا لفهم الانسانية تقيّدوا، ولفهم الاسلام تمعّنوا، ولا لفهم الايمان عَمِلُوا، فالمصالح الشخصية فوق الدِّين والإنسان والعرف والعائلة، وأحيانا أكثر من الوالدين، فأصبح الواحد منّا لا يوالي إِلَّا من وال الدنيا ولا يحب ولا يعادي إِلَّا من أجلها، ولاء وبراء الشيطان مع أوليائه، مسخ في فهم الدُّنْيَا ومتطلبات الحياة، وأماني ونسيان بموعود الله الأكبر، وإن ذُكّر استعان بعقيدة الثالوث في الرحمة وبعقيدة الإرجاء في الايمان وبعصا الغلو في التنفير، فحبّ الدنيا عندهم دين وعليه ينعقد كل ولاء، فالركون إلى كل ظالم مسلم أو كافر من أجل دريهمات فهو منهج حياة ورفعة وشهادات، ووصول إلى غايات توزن بها الاقدار ومنها تتنزل الرحمات، ومن فهمهم فتح الشيطان جامعات وسلّمهم مقاليد التعليم في إعطاء دروس في فنّ التنظير وفهم الحياة ..
وقد جاء في الأثر أنّ الله عزّ وجل نادى موسى فقال له : "يا موسى ! لا يستوي حبّان في قلب رجل واحد، حبّي وحب الدنيا"، فرحم الله من عرف من الله مراده، ولبس لباس الأمانة وما فُطِر عليه ليري الله أحسن ما خُلِقَ لأجله، فللّه درّ الرجال الذين فهموا سرّ الخلق وباعوا النفس والنفيس للمشتري، فهم عصبة ونخبة الأُمَّة الحق في كل وقت من الزمن، يجتبيهم ربّهم ويهديهم سبله، ليكونوا شهداء على النَّاس فِمَا فرّط الجمع في جنب الله، ويكون الله شهيدًا عليهم وعلى صدق صنعهم، ويقيم بهم الدِّين في حين من غفلة المسلمين والاستكانة إلى الدنيا وتكالب أعداء الملّة والدِّين على حياض الله وعقيدة الموحّدين، فبالأمس وفي حين من ضعف الأُمَّة كان المسلمون يدًا واحدة إذا استنهضهم المخلصون، فما أن ينادى أو يصاح يا خَيل الله اركبي، و يا جنّة افتحي، اِلّاَ ويصطفّ أبناء الاسلام وراء أهل العلم والمخلصين منهم للذود على الثغور وإعطاء الدروس لكل من تسوّل له نفسه أو يجول في خاطره النيل من أُمَّة القرآن، فما بال المسلمين اليوم من تنصُّلٍ حتى من ثوب الدِّين واصطفافهم وراء أعداء الله في كل مناسبة وحين، ومن اعترض أو جاهد فحمم المصطلحات مخيطة على المقاس للنيل من شرفاء الأُمَّة ورميهم عن قوس واحدة، لا لسبب اِلَّا أن ما يُطلب منهم هو الحفاظ عن الأمانة، أمانة الدين وحراسة العقيدة، فَلَمَّا رأوْا الخيانة على كل الاصعدة، في السلطة والأحزاب والجماعات والافراد، كفروا بكل ما هو مخدّر ولا يصلح لِلدِّين والرعية، فتجرّدوا من قوَّتِهم وطلبوا المدد من العناية الإلهية، فما كان منهم إلاّ أن تميّزوا عن الأُمَّة وراحوا يعيدون بناءها ولتستقيم المفاهيم ويدب فيها روح العودة وعِظَم الأمانة، ولكن من الوهن تُخلْق العراقيل ومن ثمة الأصنام، عراقيل فهم المرحلة وأصنام من يقف وراء التعتيم لتشريح ومعرفة المصلحة، والتي بها تُدرَؤُ المفسدة، وما أعظم من الشرك وكلبه الجهل في فهم الواقع وما يُحيط بالاُمّة ..
وما أجمل ما قال شيخ الاسلام ابن تيمية -يرحمه الله تعالى- :" انّ العالمَ الحق يرى فعله أحبّ اليه من قوله"، وكم من علماء وخاصة اليوم كُثُر عارفين بالله غير عاملين، وكم من علماء قلائل عاملين بعلم من الله وعارفين به، فالكثير من علماء الأُمَّة اليوم اشتروا بآيات الله ثمناً قليلًا وأكلوا بعلمهم أموالا لا تُحصى وَصَدُّوا بذلك عن أمر الله وسبله، فبينما المسلمون يذبّحون في العراق وسورية وافغانستان وفلسطين وكشمير وليبيا وبورما تراهم في منتجعات تركيا، لا تسمع لهم في ذلك همسًا ولا ركزًا، قلوب ميّتة طلبوا الدنيا وَصَدُّوا عن عمل الآخرة، ركنوا إلى الظَّالِمِين ممن يسوّس الأُمَّة بسياسة امريكا والاممّ المتّحدة، رضوا بالزرع واطمأنوا للعيش مع أذناب البقر في حضيرة الاوطان والحدود الزائفة، يقولون بلسان طغاتهم أنّ كل مصلحٍ مخرِّبٍ وفتنة لِلنَّاس ودينهم، ونسوا أو تناسوا أنّ العالم هو الفتنة إن لم يبلغ رسالات رَبِّهِ ونهى النَّفْس عن الهوى، وفي ذلك يقول الإمام الغزاليّ -رحمه الله-:" واحترز عن الاغترار بتلبيسات علماء السوء فإنّ شرّهم على الدين أعظم من شرّ الشياطين ، إذ الشيطان بواسطتهم يتدرّج إلى انتزاع الدين من قلوب الخلق "، فبصمّتهم أسالت دماء المسلمين لإرضاء الحكّام الملعونين، وليت شعري وقفوا أمام آيات بلعام بن باعوراء وكيف ذمّه رب العالمين، واضرب مثلا وصنفًا آخراً لأهل العلم، الذين زعموا أنّهم من أهل التوحيد وصنّفوا في ذلك الكتب والمراجع والرسائل والمقالات في إرجاع الأُمَّة إلى نور الطريق، ولمّا كانت نازلة العراق وخاصة الشام بان عوارهم لمن تبِعهم قدوة وعلمًا وتأصيلا، فكُشف زيف أدعائهم ونتانة حزبيّتهم وتعصّبهم لمنهجهم ونهجهم وللأشخاص ولكل ليس من حاشيّتهم وحوزتهم، ففرّقوا أكثر ممّا جمّعوا، وشقّوا الصفوف أكثر ممّا رصّىوا، فكانت الحالقة في الشام لخير أبناء الأُمَّة ممن خلُص دينه لربّه وسمع النصيحة من علم وتنظير للواقعة، وما أحكم كلام حاتم الأصم -رحمه الله- في هؤلاء الصنف من علماء التنظير، حيث يقول :" ليس في القيامة أشدّ حسرة من رجل علّم الناس علماً فعملوا به، ولم يعمل هو به ففازوا بسببه وهلك هو "، فسبحان الله إنّها لآيات تتجلى أمامنا اليوم وكأن صفحات التاريخ فُتّحت أوراقها لنقرأ من جديد، فما أقبح هؤلاء على الساحة الجهادية، وأنّ فعلهم كان من أجل سياسة وهي لا أريكم إلاًّ ما أرى، فسبحان الله وما انقشع من زيفٍ في ظلمات الفتن وما بان للورى .
لا تحسبوه شراً لكم أيّها المسلمون، أيّها المخلصون، أيّها الموحدون، بل هو خير لكم، فإن الفتن تشرف بنيران التمحيص، تصقل العالم أولا وتضعه أمام علمه، فمن عمل بعلمه وبيّن لِلنَّاس المصلحة من المفسدة، والنافع من الضار فذلك هو العالم الربّاني الحقّ الذي يخشى الله فيما علِم، ومن نادى بالمصطلحات لينفّر النَّاس من الحق المستبين ويدعو إلى الشرك العظيم فذالكم عليه لعنة الله والملائكة والنَّاس أجمعين، فهل يُسمَع لمن نادى بأن قِتَال العدو الصائل من الفتنة والخراب المبين، وهل يُرجى موعظة ممّن يتزلّف للحكّام الملاعين الذين يوالون الكفر العالمي اللّعين، وكيف وهم يَرَوْن بما يُفعَل بالمسلمين ليلاً ونهاراً وعلى مسمع الخلق أجمعين، فسكوت هؤلاء رشوة، وصمتهم ذهب وفضّة، وتلبيسهم على النَّاس ردّة ولا حول ولا قوة إلاًّ بالله ..
فإن علماء الأُمَّة الحق لا يقفون على مسافة ما بين الحاكم والرعية، بل يصطفون دومًا ودائماً مع مراد الأُمَّة، والاُمّة اليوم تنهش من كل جانب وحدّ وصوب بعد أنّ تداعت عليها الامم من كل الجوانب، فكيف للعلماء أن يتفرجوا على حياض الدين وهي تُهدم من القرامطة وأعداء الملّة وهم لا يحركون ساكنا ولا يعملون لصد الهجمة، وكيف لمن يتشفّى فمن هو من غير حزبه، ويجعله أشدّ قتال من العدو الصائل، أوَ ليس المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ولا يعتدي عليه، فإنّنا أصبحنا في زمن لم نعد نفهم هؤلاء العلماء ومن أي علمٍ درسوا وفهموا والأمّة تموت بفتواهم ولا حول ولا قوة إلاًّ بالله ..
فنصيحتي لهؤلاء العلماء من أثر ابن مسعود -رضي الله عنه-:" كفى بخشية الله علمًا، وبالاغترار جهلاً "، فحظّ النفس تمكّن من هؤلاء وهؤلاء، والضحية الأُمَّة وما تعاني من هجمة لا خالد بن الوليد -رضي الله عنه- لها سيفًا ينصرها، ولا عالمًا جهبذًا كابن تيمية -يرحمه الله تعالى- نموذجا في الصدع بالحق وتصدر راْس المجاهدين في صدّ الهجمة، واذا نكس العالم عن الطريق ولم يقول بالعلم ويرشد إليه ويركب جواده، فكلام الرافعي له دواء، حيث يقول :" ما يحسن بحامل الشريعة أن ينطق بكلام يردّه الشرع عليه؛ ولو نافق الدين لبطل أن يكون ديناً، ولو نافق العالم الدينيّ لكان كلّ منافق أشرف منه؛ فلطخة في الثوب الأبيض ليست كلطخة في الثوب الأسود، والمنافق رجل مغطّى في حياته، ولكن عالم الدين رجل مكشوف في حياته لا مغطّى؛ فهو للهداية لا للتلبيس، وفيه معاني النور لا معاني الظلمة؛ وذاك يتّصل بالدين من ناحية العمل، فإذا نافق فقد كذب؛ والعالم يتصل بالدين من ناحية العمل وناحية التبيين، فإذا نافق فقد كذب وغشّ وخان".
السلام عليكم

=======================

كتبه : نورالدين الجزائري
14
جمادى الاول 1438 الموافق ل 10/02/2017




Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire