Rechercher dans ce blog

mardi 7 février 2017

مقال بعنوان "ابحثوا في معنى باقية وتتمدد" ... بقلم نورالدين الجزائري


ابحثوا في معنى باقية وتتمدد

لطالما نخرت عقلي عبارة " باقية وتتمدد " معناها، مدلولها، هدفها من الدعاية، وكيف خطر على القوم هذه العبارة بالتحديد، والمغزى منها ليفهما المسلم أولاً و الغربي ثانية، ولماذا تجاوب راْس الغرب امريكا مع هذه المقولة بسرعة الحديد قبل الفكرة، وتجاوب المناوئون من بني جلدتنا مع سرعة الفكرة قبل الحديد، ولما المقولة اشتملت على الفكرة والحديد في أساسها، وخلّت الحلفاء في حيرة من الجمع بينهما والتجاوب بنفس الرؤية، وهل تجسّدت هنا قاعدة ما بُني على صحيح فهو صحيح، وما بُني على فاسد فهو فاسد، وكيف الجمع بين المتخاصمين على أساس قوّة الفكرة وفكر القوّة وتشريح كل ذلك على طاولة الأحداث منذ بث فكرة "باقية وتتمدد"..
فالدولة الاسلامية ومنذ بروز اسمها ونجمها فهي حدثٌ بحد ذاته، حدثٌ في سياسة الأُمَّة، حدثٌ في السياسة الإقليمية، حدثٌ في السياسة الدولية، وكذا تجسيد جغرافي على الارض قائم بأدواته، وعقيدة تاريخية خالصة من القرون الثلاثة الاولى المشهود لها بالخيرية الثابتة الراسخة، بُعِثت من جديد ونُفِخت في روع الظلم الذي تجذّر في الأُمَّة منذ سقوط الخلافة الاسلامية، كوكتيل من السياسة الشرعية والحدث التاريخي والتجسيد على أنقاض وأطلال الخلافة، ففكرة الفكرة إذًا عميقة بمقوّماتها الثلاثة، فلذا يقال أنّ الحدث التاريخي أو السياسي إما تسبقه فكرة ما، وإما مجموعة أفكار تؤدي إليه، فبروز الفكرة بهذا الزّخم العالمي نتاج ممّا وصلت إليه الأُمَّة من ضعف وهوان واستكانة، فمنهم من قبلها وتشرّبها إيمانا وقولا وفعلا وجسّد ذلك باللّسان والسّنان، ومنهم من رفضها وجعل فكرتها بابا للفوضى، ومدخلا للفتنة، في المنطقة والعالم المتحضر...
فنشأة الدول إنّما من فكرة ثم تتطور لتصبح قناعة، يتبناها الأفراد ثم الجماعة ومن بعد ذلك طرحها على المجتمع والعمل عليها للوصول إلى زبَدَة الفكرةِ الأصل، ومنها تتكون عقيدة وقناعات يتخللها قبول وانتقاد وتطوير في الفكرة والرؤية، فينتج عنها سِلما وحروبا داخليا واقليميا ودوليا، ولذا يقول فرنسيس فوكوياما إنّ أصل العولمة هي فكرة بحدّ ذاتها في الأصل، وانّ العالم قد وصل لمحطة النهاية للفكر، فاستقرت عندها مبادئ الديمقراطية وآليات السوق الحرة والفكر الليبرالي، فبعدما استطاعت هذه الآيديولوجية أن تهزم الآيديولوجيات المنافسة، وعلى رأسها الفاشية خلال الحرب العالمية الثانية، والشيوعية خلال الحرب الباردة، فالفكرة إذًا قوام الدول وفلسفتها في البقاء والعطاء، فبقاء الدول مرهون بالفكرة ونتائجها وكيفية تجسيد كل ذلك سلميا أو غزوا ثقافيا وفي الأخير أن تطلب الامر فالفكرة تأخذ مجرى السيف في تثبيت مغزاها وغرسها والإبقاء عليها ما بقيت الدول ببقاء قوة الفكرة ومعتقدها، فالغرب مبنيّ على فكرة الرأسمالية وتمدد من خلالها، وكذا النازية والشيوعية من قبله، فبنوا نظرياتهم على الفكرة وقوة مضمونها، فمنهم من بقي إلى يومنا هذا بقوة فكرته، ومنهم من اندثر لضحالة الفكرة.
وتستمد الفكرة قوّتها من عنصرين هامين ولابدّ منها، الروح والمادة، فالغرب استطاع أن يتّزن بهما مع الفكرة مستنداً على إيمانه بالعقيدة النصرانية، فالنازية والفاشية فشلتا وسبب ذلك إهمال الجانب الروحي والاتكال على الجانب المادي، ممّا نتج عنه خللا في تثبيت الفكرة والبناء عليها في مراحل التشيّيد والاستراتيجيات، فالغرب بقي وتمدد، والشرق اندثر ولم يتسرمد ، ويوجد اليوم من تعلّم من الفكرة وطوّرها وأخذ العبر من الغرب والشرق، فالصين وكوريا الجنوبية والهند لخير مثل في فهم الفكرة والبناء عليها والتقدّم والتمدد على أساسها تّقنيّا واقتصاديا، فهذه الاقتصاديات الناشئة الجديدة في تحدي واضح للديمقراطيات الغربية، فعرَفت كيف توظّف الفكرة لصالحها وعدم الدخول في اصطدام مع فكر الغرب وقواعده، فكلّما كانت الفكرة قديمة ومتجذّرة كان أصحابها أكثر خبرة وتعاملا مع فكرة الغير، فالخبرة يُنظر إليها على أساس قوة من قوى الفكرة المتعددة، فيُفهم من خلال قِدَم الفكرة ما ذهبت إليه الدولة الاسلامية في تحدّيها للعالم بأسره وتثبيت فكرتها من خلال " باقية وتتمدد "، فقوة الفكرة مستمدّة من العقيدة الصافية وتاريخ الأُمَّة في الحروب مع الأعداء فكريًا وعسكريًا، ومن قرأ القوم عقائديا وفكريًّا وايديولوجيًا يجد أنّ الفكرة متجذرة فيهم وفي أدبياتهم، وأن فكرتهم قديمة وأصيلة على فكر الغرب والشرق والديمقراطيات الناشئة مجتمعين، فالغرب والشرق مهما رجعا إلى الوراء ولوّحا بالحرب الصليبية فلا يملكان من العقيدة النصرانية إِلَّا الصليب شعارًا، فالجوف خالي من روح القتال على غرار القرون الوسطى، ويتجسد ذلك اليوم في هذا الحلف العالمي على ثلّة أرهبتهم بفكرة " باقية وتتمدد "، فالقوم فهموا أثر هذه الفكرة على الأُمَّة وسُرعة مفعولها على شبابها، وأنّها مناداة من عصر القرون الثلاثة المشهود لها بالخيرية للنهوض إلى العزّ الذي كانت عليه، وهي بمثابة "وا إسلاماه" أو  "وا معتصماه"، فالمقولة في صلبها فكرة اهتزت لها حضارة الغرب وعرفت مدلولها وتأثيرها، وإذ بها تنادي في الامم المتّحدة هلمّوا فإن فكرة القوم بأسلحتنا النووية رمزا، وإن لم نتّحِد فالفكرة أقوى منّا جميعا وفرادًا.
فالدولة الاسلامية أعلنت الخلافة بعد دخولها الموصل، ونتج عن ذلك مقولتها المشهورة "باقية وتتمدد"، فالفكرة في الأساس انتصار لعقيدتها ولأيدولوجيتها من حيث الفهم والاستدلال، ومن خلال انتصاراتها وفتوحاتها، فجسّدت المقولة وردّدتها بقوة من خلال الناطق الرسمي باسمها، ومن المقاتلين فيها ومن الانصار، وتقبّلها المسلمون المستضعفون الذين كانوا ولا يزالون تحت نيران أفكار الغرب، ورفضها آخرون، وكثير منهم ما بين وبين، وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلمًا وعلوًا وخاصة من المناوئين على أراضي المعارك ومن تُحرِّكهم الأموال والأطماع الضيّقة وأصحاب الأجندات المعلنة والسرّية، فالفكرة أشعلت نقاشات سياسية على المستوى الرسمي الإقليمي والدولي، وكيف لفئة قليلة توسعت بحجم مسافات دول مجتمعة في ظل جيوش ومعدّات هائلة تحسّبًا لمثل هذه الفكرة، ومن فعل تأثيرها تلاسن القوم ما بين مؤيد ومعارض على شبكات التواصل الاجتماعي وخاصة التويتر والحرب الإعلامية التي فرضتها الفكرة على الجميع، فمن التنظير إلى التكفير والتخوين والتُّهم بالعمالة، فقليل من العقلاء الذين أمسكوا على ألسنتهم وفضّلوا التثبّت من عقيدة الفكرة إلى أن يتبيّن لهم ذلك رويدا ولكن خلال انقشاع غبار المعارك على الساحة الافتراضية والحربية.
فالفكرة هزمت فكرة الغرب في العراق أصلا، وهي قديمة جديدة متطورة حسب المكان والزمان، وحرارة جذوتها من مدى اعتناق القوم للفكرة وتجسيدها على أرض الواقع وفي المعركة، فأمريكا هُزِمت في العراق بسبب قوة الفكرة، فصراع الأفكار ينتج منه في الأخير بقاء لصاحب الصدق والاخلاص فيها، فترامب من أيام صرّح صراحة وعلى الملأ أن بلده أمريكا استُنزفت، والاستنزاف هنا ليس ماديًا وعسكريًا فحسب، بل استنزاف الفكرة مقابل الفكرة ولذا لجأَت أمريكا ومن معها من الحلفاء في المنطقة إلى تجريد الفكرة من مضمونها وإصباغها صبغة غير شرعية في المفهوم والاستدلال، فإدارة أوباما أوعزت إلى القوم في المنطقة إلى محاربة الفكرة بالفكرة، فما كان إِلَّا أن انهزم القوم واستنزفوا فكريًا وماديًا وهذا ما اكّده ترامب من أيام قليلة، فأمريكا والحلفاء تراجعوا من حيث قوة الفكرة ويرجع ذلك إلى الازدواجية في ترسيخها في المنطقة، فمع إسرائيل وايران في حرب السٌنّة، ومع السُنّة في حربها على من تفوق عليها بالفكرة، فازدواجية الفكرة تولّد غموضا للمفاهيم وهشاشة لمفهومها من الظلم على المنطقة، فالتمدد من عدمه في العقول، وصراع الفكرتين جعل من المسلمين وبعض المنصفين بقبول فكرة باقية وتتمدد لما رأوه من صلابة الفكرة على العقل وعلى الارض.
فالسلطة المطلقة والفوضى المطلقة التي جسّدتها أمريكا في العالم الاسلامي وخاصة منطقة الشرق الاوسط، وتحكّمها في الحكم والثروات جعل من فكرتها هشّة ومرفوضة، ومن شعاراتها التسويقية أضحوكة شعوب المنطقة، فبظهور الدولة الاسلامية وسياساتها الفكرية والعسكرية جعل منها نموذجا في التحدي والصمود أمام فكر العالم المتوحش، ففكرة الغرب وهي العولمة ومتشعباتها انتجت خللا في العقائد والعادات عند شعوب العالم بمختلف أديانهم وألوانهم واتجاهاتهم، وعجزت الشعوب عن مقارعة الفكرة إلى أن ظهرت الدولة الاسلامية فوجد فيها العالم تنفّسًا من حيث الفكرة، فلم تعد فكرة الغرب صالحة ومنها تخبّطه كالديك المذبوح داخل مجتمعاته وأكثر من ذلك في خارجه، ووصول اليمين المتطرّف اليوم إلى سدّة الحكم في العالم الغربي والإبقاء على الأنظمة الشمولية وترسيخها في المنطقة لمن ضحالة الفكرة، وما نظام الاسد لخير دليل على قبح الفكرة وإبقائها في عقول المسلمين بقوة السلاح المجرد من القناعة، فمقولة "باقية وتتمدد" بمثابة خطاب بديل للعالم بأسره وللأمة بعينها، فلذا لَبى أبناء الغرب من المسلمين وأبناء المنطقة للانخراط في الفكرة، وتطويرها وتجسيدها على الأرض، وما حقّقوه اليوم من صمود أمام العالم بأسره لمِن فهم صلابة الفكرة والموت من أجل مضمونها وهذا مالم يفهمه الغرب والذي سيُؤدي به إلى انطفائه فكريًا قبل اندحاره عسكريًّا، وأنّ صراع الفكرة لمن أخلص العقيدة واستمد قوته من حبّها والتضحية لأجلها، فهل وجدتم مفهوم باقية وتتمدد أم أنّكم كالغرب لا تؤمنون إِلَّا بالمادة..!
  السلام عليكم

======================
كتبه : نورالدين الجزائري
11جمادى الاولى 1438هـ   الموافق ل 07/02/2017






Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire