Rechercher dans ce blog

jeudi 2 février 2017

مقال بعنوان "فقه الواقع ما بين الفهم وفوضى الفهم" ... بقلم نورالدين الجزائري


فقه الواقع ما بين الفهم وفوضى الفهم

يقول العلّامة محمد قطب -رحمه الله تعالى في كتابه (شبهات حول الاسلام) :" الفقه شيء والشريعة شيء آخر. الشريعة هي المصدر الثابت الذي يحتوي المبادئ العامة (ويحتوي أحيانا تفصيلات دقيقة كذلك)، أما الفقه فهو التطبيق المتطور الذي يستمد من الشريعة ما يناسب كل عصر، وهو عنصر متجدد لا يقف عند عصر ولا جيل .."، فما أتعس هذا العصر الذي انقسم فيه المسلمون إلى أصولي مستمد مبادئه من الأصل، فثبت على ما كان عليه المتقدمون من فهم النوازل، وأنّ فقه الواقع لا يُستمدّ إلاًّ بالثبات على التأصيل العلمي الصحيح، وحداثيّ غيّب الأصل وركب موجة فقه الواقع غير الآبِهِ بالعقيدة إِلاّ نادرًا، فذاب في مستنقع الحداثة، وغرق في وحل الديمقراطية مستمدا فهمه من النوازل للوصول إلى تطبيق الشريعة بتدرج، فما كان جزاؤه إِلَّا مزيدًا من إدارة الظهر للثوابت، ولا يُفهم فقه الواقع إِلَّا بالاستواء على الأصل فهمًا وتطبيقًا، فالعقيدة الناصعة النّقية التي فهمها سلف الأُمَّة هي ميزان بين الثبات على الأصل وفهم الواقع بما يجب أن يُفهم مكاناً وزماناً، فالكل كتب وصنّف وحلّل بما يراه من فقه الواقع وإنزال النصوص لتثبيت فهمه للنوازل، ولا يكاد أن يسلم من هؤلاء إِلَّا نفراً قليلاً من علماء الأُمَّة وفقهائها تجرَّدوا من هوى النفس والمذهبية والحزبية، فبيّنوا لمن له قلب منيب طريق السلف في فهم الواقع والنوازل والتعامل مع كل هذا في ضوء الكتاب والسُنّة.
يقول العلامة ابن القيم -يرحمه الله تعالى-:" ولا يتمكن المفتي ولا الحاكم من الفتوى إلا بنوعين من الفهم : أحدهما : فهم الواقع والفقه فيه واستنباط علم حقيقة ما وقع بالقرائن والإمارات والعلامات حتى يحيط به علما. والنوع الثاني : فهم الواجب في الواقع ، وهو فهم حكم الله ورسوله الذي حكم به في كتابه أو على لسان رسوله في هذا الواقع، ثم يطبق أحدهما على الآخر .."، فابن القيّم يبيّن أن من يفهم الواقع ومن ثمّة استنباط الحكم وإنزال حكم الله وَرَسُولِهِ على الحكم أو النازلة فهم الراسخون في العلم من أهل الأثر، إذ ميزانهم المتَاب والسنّة والأثر، وليس من سلك طريق غير طريق الله ورسوله ثمّ أنزل من الفقه على نوازله ما يخدم هواه ونزواته المذهبية أو الحزبية، فأصل الواقع ومعرفته وفهم استنباطاته لابدّ أن يغلّفه الأصل وهي العقيدة ومن ثمة فهم النصوص لاستنباط الأحكام المناسبة ..
فاحتكار الفهم على طائفة أو حزب أو مذهب من دون الآخرين فليس من عين الاسلام وتشريعاته في شيء، فالكل يؤخذ منه ويرُدّ إِلَّا كلام رسول -صلى الله عليه وسلم- ومنه حذّر أن إذا اختُلِف في الامور فتُرجع إلى ميزان الوحيين في الفهم والاستنباط، وفهم الواقع في ضوء الكتاب والسنّة من خصوصيات العلماء الربانيين الراسخين في العلم، وللعلّامة صديق حسن خان (ت1307 هـ) - رحمه الله- كلاما نفيسا في باب فهم الواقع، حيث عرّفه بقوله:" الواقع هو ما عليه الشيء نفسه في ظرفه، مع قطع النظر عن إدراك المدرِكين، وتعبير المعبِّرين .."، وكلامه عين الصواب في فهم الشيء في أوانه وردّه لميزان الشرع للخروج بالاستتباب والحكم اللائق للنوازل، وهذا ما أكّده أيضًا الشيخ الالباني وعرّفه -رحمه الله- حيث قال :" فقه الواقع هو الوقوف على ما يهم المسلمين مما يتعلق بشؤونهم أو كيد أعدائهم، لتحذيرهم والنهوض بهم واقعيًّا لا نظريًا، فالكلام النظري عبث وجهد ضائع، أو انشغالاً بأفكار الكفار وأنبائهم، أو إغراقًا بتحليلاتهم وأفكارهم .."، وكلامه رحمه الله من عين فهم الواقع وكيفية استخراج النصوص وإنزالها محلّها، ومن ثمة العمل بمقتضاها اسنباطًا وفهمًا وعملاً، فدلالة كلام أهل العلم رحمهم الله في فهم فقه الواقع هو الرجوع إلى أصل الفهم من فهم الوحيين إيمانًا وعلمًا وعملاً .. 
فالعاملون اليوم في الساحة الاسلامية على ثلاثة أصناف بيّنة مرئيّة، فمن السلفية العلمية للسلفية الجهادية للسلفية التدرّجية، ولكل له فهمه للواقع وقاعدته لاستنباط الأحكام ومنها البنيان على إنزال النصوص لفهم الواقع، فالسلفية العلمية ( المدرسة المدخلية والسرورية ) مقرّبة من حكّام اليوم الذين لا يحكمون بما أنزل الله ورضوا بحكم وأحكام الغرب في ديار الاسلام، ويتعاونون مع أعداء الله بإنزال النصوص الشرعية في ذلك، وإصباغ على هذه السياسة صبغة سلفية باسم فهم الواقع بتقليل المفاسد وجلب المصالح، وبناء الامّة على ما كان عليه السلف في ظل ضعفها وتكالب الأعداء عليها، فحظوا برضى الحكّام والمجتمع الدولي باسم الوسطية والاعتدال، ففي المقابل ترى السلفية الجهادية أنّ فهم الواقع والنوازل لا يمر إِلَّا بفهم أحكام الدِّيَار والحكم بما أنزل الله، وعلى الأُمَّة الجهاد في سبيل الله بما استباح الكفرة الدِّيَار، ففهم الواقع عند هؤلاء من فهم السلف للنوازل، وأن لكل حكم فهمه واستنباطه من واقع الامّة وعلى مراحل، وإنزال النصوص لا يكون إِلَّا بصبغة شرعية على الحاكم والمحكوم علمًا وفهمًا وعملاً، فما كان من السلفية العلمية المقرّبة من الحكّام والدوائر الدولية إِلَّا إعلانها حربًا عليهم شرعًا واصطلاحًا، والمحاولة للنيل منهم بإصباغ عليهم لباس البدعة والفتنة والجهل بفهم الواقع والمصالح المرسلة وإنزال النصوص، ثمّ تأتي السلفية التدرُّجية التي ركبت موجة الديمقراطية، وجعلت من هذه الفلسفة فرسًا للوصول إلى حكم الأُمَّة، ومن ثمّة الوقوف على مفترق الفهم في الواقع والنوازل وتقديم المصلحة على المفسدة والوزن بالمآلات والنظر إلى الشريعة أنها تُطبق جملة وتفصيلا أو التدرج في الحكم إلى أن يرضى المجتمع الدولي على الاسلام وتشريعاته وحكمه المجتمعات الاسلامية ..
 إنّ فقه الواقع هو علم بحد ذاته، منبعه فهم أصول الدين والتكيّف مع أصل الوحيين في فهم النوازل، ولا يُفهم الشيء إِلَّا إذا رُدّ إلى أصله وبُنِي عليه استنباطه، وكذا ما نراه اليوم في الساحة الاسلامية وما تفرعت منها من فِرق وفهم لدين الله لمِن الاختلاف في فهم النصوص وإنزالها على الواقع لفهمها والسير عليها لمواكبة الأطماع والأحقاد والحروب المباشرة وبالنيابة، ولا يستقيم حال الأُمَّة إِلَّا إذا ردّت مرادها إلى ميزان الكتاب والسنة تشريحًا وفهمًا، ومن ثمّة فهم واقع الأُمَّة والتحديات والمواجهة بحسب إنزال النصوص المستنبطة لتقليل المفاسد وجلب المصالح الضائعة في هذه الأوقات العصيبة .
 يقول أحدهم : "فإذا كان فقه النص نصف الطريق للوصول إلى الحكم الشرعي الصحيح, فإن فقه الواقع المراد تنزيل النص عليه يشكل النصف الثاني المتمم لاكتمال الوصول إلى الحكم الشرعي الصحيح "، ومن العبارات المشهورة لعلماء الفقه الإسلامي التي تؤكد ذلك قولهم: "الحُكمُ على الشيءِ فَرعٌ عَن تَصَوُّرهِ"، فلذا لا يجوز حكر فقه الواقع وفهمه على جماعة دون جماعة في ظل هذه الفوضى الخلّاقة، وأنّ من يفهم الواقع وفقهه الأكثر إلتزاما بما كان عليه سلف الأُمَّة علمًا وفهمًا، في المسجد وساحات الوغى، فوَدننا لو تكاتف الجميع في صدّ العدوان على الاسلام والمسلمين في ضوء الكتاب والسنّة والدخول في المنافسة لإرضاء الله تعالى وعدم الركون إلى الطواغيت ومساعدة الظلمة. 
 السلام عليكم

=======================
 كتبه: نورالدين الجزائري

 06 جمادى الاولى 1438هـ الموافق ل 02/02/2017




Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire