Rechercher dans ce blog

vendredi 17 février 2017

" شذرات ايمانية " ... بقلم المدون نورالدين الجزائري



شذرات إيمانية ...

الحمد لله نور السموات والأرض، والصلاة والسلام على من كان همّه الامة وبعد :
فإن عقيدة المسلم هي روحه التي في جسده حقيقة، وأن منبع تنفسه الولاء والبراء الذين هما أوثق عرى الايمان، فالحب في الله وموالاة أولياءه، والبغض في الله ومعاداة من كفر وأشرك به لهما أسّ الايمان وحبل الله المتين الذي أمر أن يتمسك بهما كل مسلم عرف دينه قولا وفعلا.
فالعقيدة التي غرسها الاسلام في نفوس الجيل الاول من المسلمين الذين هم صحابة رسول الله الأمين صلوات ربي عليه ورضوان الله تعالى عنهم أجمعين، جعلتهم يخاصمون ويحادون في الحق القريب، ويوادون فيه البعيد، فلا تساهل مع القريب أو الحبيب مادام محادا محاربا لله ورسوله، مخالفا لشرعه.
فقد حقق صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم معنى الولاء والبراء، وضربوا لذلك أمثلة خلّدتها كتب السيرة والتاريخ، قطعوا بذلك الفهم الجاهلي للبرّ والعرف والقبيلة، وأحلوا مكان ذلك الولاء التام للإسلام، والوقوف في صفه، يجاهدون في الله من زاغ عن أمره بالنفس والنفيس، كما قال تعالى :" لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الاخر يوادّون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو ابناءهم أو اخوانهم أو عشيرتهم".
 فها هو رسول الله صلى الله عليه وسلم يأسر عمّه العباس يوم بدر وقال له :" أما ظاهرك فكان علينا، وسريرتك فإلى الله ."
 
وهذا عمر الفاروق يقتل خاله العاص بن هشام أيضا يوم بدر وكان مشركاً، وها هي أم المؤمنين أم حبيبة رضي الله عنها، بنت أبا سفيان تقول لأبيها لما زارها في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأراد الجلوس على فراشه الطاهر وكان ذلك قبل اسلام أبا سفيان:" هو من أثر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأنت رجل مشرك نجس، فلا أحب أن تجلس عليه ". والأمثلة في ذلك لا تعد ولا تحصى، فكانت نماذجا صادقة في الحب في الله والبغض فيه، وموالاة أولياء الله ومعاداة أعدائه.
ومن صور الولاء والبراء لله ورسوله ما صرح به عمر الفاروق للعباس عّم النبي حين اكثر الكلام في شان ابي سفيان قبل إسلامه واراد ضرب عنقه، فقال العباس : "مهلا يا عمر، فوالله ما تصنع هذا إلا أنه رجل من بني عبد مناف، ولو كان من بني عدي بن كعب ما قلت هذا"، فغضب عمر وراح يدفع عنه العصبية القبلية، ويبن ولاءه للمؤمنين، فأجاب قائلا : "مهلا يا عباس، فوالله لإسلامك يوم أسلمت كان أحب إليّ من إسلام الخطاب لو أسلم، وذلك لأَنِّي أعلم أن إسلامك كان أحب إلى رسول الله من إسلام الخطاب لو أسلم ". 
 
فلما كان الاسلام يجمع أهل الايمان على قلب رجل واحد، يحبون في الله من كان أبعدهم بعد إسلامه، ويبغضون ويعادون في الله القريب إن جثم على كفره وشركه، كانوا مستحقين المعية الإلاهية، يحبهم الله ويحبونه، فجعل منهم سادة العالم بعد أن كانوا عبيدا في جاهليتهم، فالمسلمون بعد تحقيق هذا الرابط الإيماني أصبحوا يدا على من سواهم، قوة على أرباب الملل وَالنَّحل والأديان والقوميات التي لا تدين بدين الله عزّ وجل الحق، وكانوا أيضا في تماسكهم كالرجل الواحد، إذا اشتكى شوكة اشتكى كله، وكما قال تعالى :"ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون" ، فقد تقطعت كل العلائق بين المسلمين والكافرين ولو كانوا أقرب الأقربين ..
يقول الله عزّ وجل :" ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين .." ، فإن القوة  كل القوة في اتباع الكتاب والسنة وإجماع الصحابة، فإن الله غنيّ عن العالمين، فقد ترك لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابة الله وسنته وسنة خلفاءه من بعده، وأمر أن نعض على كل ما ترك بالنواجذ، وأن نوالي من تمسك بذلك، ونعادي من أعرض عن ذلك، ولله الأمر من قبل ومن بعد وإليه ترجع الامور.
فقد شَهِد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخيرية والفلاح والعلم الوافر والفهم الصحيح لما ترك للقرون الثلاثة من بعده وفي رواية زاد قرناً آخر، فجاهدوا في الله حق جهاده بالحجة واللسان، وبالسيف والسنان حتى بلغ هذا الأمر أبعد نقطة على وجه المعمورة ولله الحمد والمنة ..
 
أيها الناس، فلما دخل بعض الزيغ من أهل الأهواء والبدع، والفرق الكلامية والباطنية، شاب بعض المعتقد، وألبس على بعض الناس من الكلام ما أفسد، فضعف بعض القوم من مَسّ شياطين الإنس، فغيروا بعض المفاهيم في الأصول التي أنشأ عليها من كان قبلهم، وبات الاسلام بين أهله غريبا، لا يحس ويعرف غربته إلا من فتح الله عليه فتوح العارفين وقتها، وجاهد بالحجة والبيان أهل الزيغ والنكران، ليرجع الأصل لأصله، وما دخل من دخان يتبخر ويزول بحق العلم والبرهان.
فقد جاء عن الامام الفضيل بن عياض رحمه الله  لما رأى المناكير وما بُدِّل وأُحدِث في دين الله أنه قال:" كيف بك إذا بقيت إلى زمان ساعدت فيه أناساً لا يفرقون بين الحق والباطل، ولا بين المؤمن والكافر، ولا بين الأمين والخائن، ولا بين الجاهل والعالم، ولا يعرفون معروفاً وينكرون منكراً".
 فلما رأى الامام ابن بطة رحمة الله عليه كلام الامام الفضيل، وقف عنده قائلا ومعلقاً:" فأنا لله وإنا إليه راجعون، فأنا قد بلغنا ذلك وسمعناه وعلمنا أكثره وشاهدناه، ولو أن رجلاً ممن وهب الله له عقلاً صحيحاً، وبصراً نافذاً، فأمعن نظره وردد فكره، وتأمل أمر الاسلام وأهله، وسلك باهله الطريق الأقصد والسبيل الأرشد، لتبين له أن الأكثر والأعم والأشهر من الناس قد نكصوا على أعقابهم، وارتدوا على أدبارهم، فحادوا عن المحجة وانقلبوا عن صحيح الحجة، ولقد أضحى كثير من الناس يستحسنون ما كانوا يستقبحون، ويستحلون ما كانوا يحرّمون، ويعرفون ما كانوا يُنكرون".
فإن أولياء الله ينظرون بنور الله عزّ وجل، ينظرون ويقيسون كلامهم بكلام رسول الله، وأنهم كانوا يعرضون أقوالهم على ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما كان قولهم يوافق من كلامه أخذوا به وعظوا عليه بالنواجذ وعلّموه للناس، وما كان من كلامهم يخالف ما حاء به رسول الله اعرضوا عنه ورموه جنب الحائط، فكانوا احرص الناس على أمانة الدين وتبليغ رسالاته.
 أيها الإخوة، كلام الفضيل بن عياض رحمه الله في وقته وقال ما قال من تنبأ، فمإن برى بنور الله، وإن الأمراض التي تدخل السنة فإنها تدخلها من أبواب البدع والهوى وقول على الله ورسوله بدون علمٍ وبيّنة ورجوع إلى الراسخين من العلم، فإن كان كذلك، فلا غرابة أن نرى المنكر سنة والسنة بدعة، ولا نقيس الأشياء بميزان الشرع كما أمرنا الشرع الحكيم، ومنه لا نفرق بين حب المؤمنين والتي هي عقيدة كما بيّنا، وبغض الكافرين والمنافقين الذي هو دين أيضا ندين به لله رب العالمين، فكيف بِنَا اليوم والله المستعان وكأن الإمام بين أيدينا رحمه الله وهو يشخص الداء بوصفه، وكلامه كالشمس في عز النهار، فوالله وبالله أصبحنا لا نفرق بين أهل الحق وأهل الباطل، وهما ضدان لا يتلاقيان ما تلاقا الليل والنهار، فإن الباطل اليوم له مشرع وفتوى وجند، يحكم الناس بعقيدة الطاغوت، لا يري الناس إلا ما يرى ما يفسد عليهم دينهم، وأهل الحق أهل الله وخاصيته مغيبون مطاردون لا همّ لهم إلا الخير لامتهم ودينهم ، والعجب من ذلك إن أصبح الكافر من جلدتنا مألوفا بيننا ولا يشار عليه ولا يقام عليه ولا يدعى للإسلام، والطامة من ارتد لا يِقام عليه حدا، حتى فهمت الآية في غير محلّها وتفسيرها " لا إكراه في الدين" ، ومن المناكير أيضا ما قبله الناس أن يقدّم الخائن إلى تولي الأمانة في الحكم والقضاء والإرشاد، ويُبعد الأمين بحجة التطرّف وإفساد الدين ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم، فنرى أيضا من أعطيت له مفاتيح القيادة والرئاسة من تعليم وتدريس ومناصحة وتربية إلى مجاهيل لا يقدّرون الله حق قدره في عباده، يعلمون المسلمين ما تعلّموه من فكر وزبالة العلمانية وما وراء البحار، فأصبحوا لا يفرقون بين منكر وصحيح، فجعلوا المعروف منكراً والمنكر معروفاً، فإنه باب للهدم حساً ومعنوياً إن لم نتدارك ذلك ونأمر بما أمر به الأولون من الصحابة والسادة التابعين رضوان الله تعالى عنهم أجمعين.
ولكن دوام الحال من المحال، وعليه يخرج من هذا البهرج اللؤلؤ والمرجان، ممن قد يغرس فيه الروح والريحان من علم الأولين وفهم المتأخرين في النوازل والحوادث العظام، فإن بعد كل عسر يهيأ الله يسرا لكل أمر ومخرجا، فكما قال الشيخ سليمان العلوان:" دل الكتاب والسنة على أن الحق له أعداء كثيرون يصدون عنه وينهون عنه ويأتون بقوالب على حسب أمزجتهم وما تهواه نفوسهم، وصاحب الحق يتعين عليه ألا يتزعزع عن الحق الذي علبه ويدعوا إليه، فإن الله ناصره ومؤيده ولا يزال منصوراً ما دام يقوم بنصر الدين، ونصر الحق مخلصاً في ذلك لله ولا يزال معه الله ظهيراً ما دام على تلك الحالة".
 فاللهم إنا نسألك من علم الأولين، وفهم التابعين، ومن فتح الصادقين، وأن تردنا إليك ردا جميلا غير مفتونين، وأن تجعلنا من الأهل الآمرين بالمعروف والناهين عن المناكير، وأن ترنا الحق حقا وترزقنا اتباعه، وأن ترنا الباطل باطلا وترزقنا اجتنابه، فاللهم أنت نعم المولى ونعم النصير فلا تكلنا إلى جهلنا وبعدنا عن وحيك وعبادك الصالحين، وأن تفتح علينا فتوح العارفين ..
وهذا وصل اللهم على سيد الأولين والآخرين ومن بعثته رحمة للعالمين صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين، والحمد لله رب العالمين ..

==========================

كتبه : نورالدين الجزائري
١٦ ربيع الثاني ١٤٣٧هـ

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire