Rechercher dans ce blog

jeudi 24 novembre 2016

مقال بعنوان "فرنسا وعقدة اللائكية" بقلم المدون نورالدين الجزائري


فرنسا وعقدة اللائكية ..

فرنسا بلد الألف مصباح ومنارة، بلد العطر والموضة، بلد كلوفيس ولويس السادس عشر، بلد نابليون وديكارت، بلد ديغول والمريشال بيتان، بلد الثقافات والحريات وحقوق الأفراد والجماعات، بلد ولطالما تغنى بالتعددية والتسامح وفصل الدين عن الدولة في التعايش ..
ومع تتبعي للشأن الفرنسي عن قرب والسياسات المتعاقبة من اليسار الى اليمين ومنذ عهد فرانسوا ميتيران الى فرنسوا هولاند مرورا بجاك شيراك وساركوزي، يتبيّن ان فرنسا لم يعد بها سياسيين محنّكين كالمعهود من مدارسها او من أوساطها السياسية وبحسب الخبرة كان آخرهم شيراك، والذي كان يُلقٌب بالرئيس الحكيم، وجاء من بعده من يُسمّوا اليوم بمشاغبي الجمهورية الخامسة، والذين لا سياسة لهم في الداخل والخارج وهم من فشل الى فشل عظيم الاّ الاسلام والمسلمين والسخرية من معتقداتهم ..
فعندما يغيب الحكماء من المشهد السياسي والاجتماعي فلا غرابة ان يعتلي منابر السياسة والادارة كمٍّ من الجهّال والغوغائية في ظل مشاهد سياسية محتكرة من طرف عنصريين او ذات خلفيات دينية متنكّرة، ظاهرها العلمانية وباطنها صليبية إقصائية عفنة، يتبعهم بعض الحاقدين واصحاب خلفيات استعمارية، يحنّون لاستعباد نوعاً من البشر، تارة باللجوء الى محاربتهم في عقر ديارهم، وتارة اخرى يلجؤون لسياسة إقصائية وتهميشية، فلسان حال نادين مورانو والتي قالت من أشهر ان فرنسا لا بمكن ان تكون الاّ لأصحاب البشرة البيضاء، فهي نموذج من نتاج السياسيين الفرنسيين اليوم على الساحة، وهي سياسة منّبعة ومعلنة، وهي العضو في حزب الجمهوريين والذي أسسه ساركوزي وعيّن من ايّام فرانسوا فيون كمرشح للحزب لخوض الرئاسيات المرتقبة ضد اليسار واليمين المتطرف برئاسة مارين لوبان في مطلع مايو من العام المقبل ..
فبعد ترشيح فرانسوا هولاند اليساري كرئيس لفرنسا، استلم إرث سلفه نيكولا ساركوزي اليميني التوجه، فالمشاكل الاقتصادية والاجتماعية أدّت بالرجلين الى خسارة كرسي الرئاسة ومن قمة الاقصاء السياسي، فساركوزي الذي ساهم في إقصاء الرئيس الليبي معمر القذافي تمّ إقصاؤه بعد ان كان القذافي ولي نعمته سياسيا ومنها عدّة فضائح اخرى ستؤدي به حتما بعد ان تجرد من صلاحياته الى المحاكم، وهولاند الذي استلم السياسة الخارجية لسلفه ساركوزي مشى على المنوال وخاض ثلاثة حروب من مالي الى العراق وسوريا مرورا بإفريقيا الوسطى، فعندما يفشل السياسيون في حل المشاكل الداخلية ويتنصلون من الوعود الانتخابية، يلجأون الى مثل هذه المغامرات الخارجية الغير محسوبة احيانا عسى ان تُغَطى شمس فضائحهم ببعض المكاسب الخارجية، فبتوسع السياسات المعادية فحتما تنتج اخرى داخلية وَمِمَّا أدى الى حادثة شارلي ايبدو وباريس ونيس، فالقوم جنوا ما حصدوا بغير سياسة محنّكة ولا حسابات انعكاسية محتملة، فدخلوا في عداء مفضوح اتّجاه الاسلام وقضايا المسلمين في فرنسا بلد الحريات وحقوق الأقليات ..
فواقع الامر اليوم ان الاسلام اضحى لسان حال الساسة الفرنسيين من يسار الى يمين الى أقصى اليمين المتطرف، والكل يتوعد المسلمين بالمضايقات والتهميش والاقصاء، إِمَّا بغلق جمعيات اسلامية او احالة البعض تحت الرقابة البوليسية والقضائية ومنهم البعض الاخر في الدوائر الاجتماعية من عنصرية في مجال العمل الى التضييق عليهم وخاصة النساء في الأماكن العمومية من تجريم النقاب الى الحجاب في مدارس الجمهورية، وما حادثة البوركيني ببعيدة عمّا احدثته من ضجة إعلامية في الصيف المنصرم، ولا يجد هذا الثلاثي السياسي من كوارث الاّ وألصقها بالإسلام والمسلمين، متغنّيا بفعله امام شعب اصبح يُرى منه ما غُرس فيه من عنصرية ..
ففي كل مناسبة انتخابية او كلمة سياسية حزبية كانت ام إعلامية، تجد من يقول ويؤكد دائماً على انّ فرنسا متمسكة بهويتها اليهودية-المسيحية  (judéo-chrétien)  وبذلك ينسب معتقد البلد الى جذوره المسيحية بعهدها القديم والجديد، فيدخل بذلك معتقد اليهودية في اعتقاد السياسة الفرنسية هوية وقولا وفعلا، اذ بهذا المنظور يتم إقصاء الاسلام من معتقد القوم وهذا معلوم ولكن لا ينفي عنها ادعائها ان سياسة الجمهورية ومنذ نشأتها تتخذ منهج اللائكية او العلمانية في فصل الدين عن السياسة، فالقوم ينطقون بلسان مسيحي-يهودي ويقرّونه في خطاباتهم وفِي كل مناسبة اتجاه معتقد البلد فكيف إذاً يفصلون ما يعتقدون عن سياسة ما يروّجون، فسياسة فصل الدين عن السياسة كارهي الاّ خدعة وحيلة يريدون بها فصل المسلمين عن قيّمهم والتأقلم بعادات وتقاليد البلد وهذا من الديكتاتورية السياسية بمكان وفرض الامر الواقع على أقلية تريد الحفاظ على هويتها ومقدساتها وما تعتقد ..
فالمرشح اليوم للرئاسيات الفرنسية والابن الروحي لساركوزي فرانسوا فيون لا يخفي عدائه للإسلام وحقده المسلمين، وان الدين الاسلامي مكمن تطرّفه في بلاد الحرمين وان مموّليه في المنطقة العربية وهذا ما صرّح به في هذا الأسبوع، وان على فرنسا التعاون مع روسيا وايران ونظام بشارالاسد وحزب الله في القضاء على الاسلام المتطرّف السني، فهي الفاشية بحد ذاتها واقتباس من حملة الرئيس الامريكي الجديد دونالد ترامب اتجاه الاسلام والمسلمين، وفِي وعوده الانتخابية يبشر بزج بعض المسلمين خارج فرنسا وانه سوف تكون قوانين صارمة في كل من لا يتبع ما سوف تمليه الجمهورية الخامسة من دين إسلامي على الجالية الاسلامية، وان لابد للإسلام ان يتكيف مع ساسة فرنسا والاٌ أساليب الفاشية جاهزة في ردع من يريد مخالفة معتقد القوم ( judéo-chrétien ) او الصهيو-صليبي مصطلحا صحيحا ..
فلابد من تذكير فرنسا ان الاسلام بريء من حقبة فيشي في تسليم اليهود الى النازية، والإسلام بريء من فشل السياسات المتعاقبة للجمهورية، والإسلام لم يعتدِ على فرنسا بل هي من تعتدي على المسلمين في كل صراع يربطهم بأعدائهم، وان الاسلام ليس من سلّح إسرائيل بالقنبلة النووية مهددة بذلك السلم في المنطقة العربية، وليس الاسلام من قتل اكثر من خمسين مسلم وغير مسلم منذ حروبها على المستعمرات العربية والهند-صينية مرورا بافريقيا، فمجازر فرنسا في سجّل التاريخ مكتوبة بأيادٍ من دم اسود، فلا محاضرة في الحضارة من متسول على أرزاق الضعفاء باسم الحملات التبشيرية ..
انّ مشكلة فرنسا اليوم مع الاسلام الذي بدأ يتغلغل داخل المجتمع الفرنسي، وأضحى حديث الساعة اليومي وفِي كل المناسبات، وشاء الله ان يكون هذا البلد المعادي لدينه ان يأخذ حصة الاسد من المعتنقين للإسلام في اوروبا، فالساسة الفرنسيون اليوم ومن خلال خطاباتهم الرسمية او الثقافية او الإعلامية يدقون جرس الانذار من اسلمة فرنسا، فاليمين المتطرف بزعامة مارين لوبان وعلى لسانها وفِي كل مناسبة تحذّر من اسلمة فرنسا وما اقترابها من قصر الايليزي الاّ بالرقص على أنغام الهوية المسيحية اليهودية للبلد، محذرة من الاسلام "الراديكالي" والذي بات يؤرق وينغص احلام فرنسا ذات البشرة البيضاء، ويفضح عنصرية القوم اتجاه الأقليات في بلد الحريات، وأنّ لابد من كاشف لادعاء صدقا او كذبا، وكأن الاسلام اليوم اضحى كالتيار الفاضح لكل مدّع بالقيم الانسانية والتشدق بالحريات والمساواة على الساحات السياسية العالمية ..

السلام عليكم ..

============================
كتبه : نورالدين الجزائري

24 صفر 1438هـ الموافق ل 24/11/2016

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire