Rechercher dans ce blog

lundi 14 novembre 2016

مقال بعنوان "الربيع الغربي على الأبواب .." بقلم المدون نورالدين الجزائري


الربيع الغربي على الأبواب ..

شاء الله ان تكون أُمَّة العرب أُمَّة رسالة عالمية، أمّة بعث الله - سبحانه وتعالى- فيها آخر رسله وكتبه، ومَيَّزَها عن سائر الامم من حيث الأمانة، فالعرب قبل البعثة لم يكونوا عُبَّاد بشر، بل كانوا عُبَّاد حجر، حجر يعبدونها من دون الله وتقرّبهم إليه زلفا، ولَم يقولوا في يوم من الأيام أن العزّ واللاّت ومناة وجمع من الأصنام  أنّها من أبناء الله أو من حوارييه، بل عبادتهم إيّاها كانت عن جهل ووراثة، خلاف الأمم التي سبقت العرب من يهود ونصارى، بل قالت اليهود عزير بن الله، وعبدوا أحبارهم من دون الله، وكذا أردفت النصارى قول بني إسرائيل في العبادة وقالوا أن عيسى ابن الله، وعبدوا الحوّاريين من دونه، سبحانه وتعالى علواً كبيرا، فمن حكمته أنّه ميّز العرب بآخر رسله ورسالاته لعدم عبادتهم للأشخاص، وكانوا بذلك كما قال ربعي ابن عامر رضي الله عنه إلى رسّام قائد الفرس: "الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله" .
فعبر مرّ العصور ومن فجر الاسلام إلى سقوط الأندلس ومنها سقوط الخلافة الاسلامية، ساد العدل والقسط في كل أرجاء البلاد والأمصار بتفاوت، فالعدل رديف القوة الإيمانية، والظلم توأم الجهل والقوة الاستبدادية، فالمسلمون أهل عدل في أنفسهم ومع غيرهم، ومن النصوص ما جعلته ثابتا إلى يوم الدين، فكلّما توسعت فيه وحكّمته الاٌمّة في نفسها وعلى أهل ذمّتها نالت السؤدد والرفعة والسمعة في البلاد الأخرى، وضُرب المثل بها عبر التاريخ، فكانت بذلك الخلق من أرقى الامم ازدهارا داخليا وخارجيا، وطيب سمعة عند من سُلِّط عليهم ظلم الملوك والرؤساء وأصحاب الإقطاعيات من الكنيسة إلى رجال دين وأصحاب جاه وشأن، فكان يُضرَب المثل في البلدان الاسلامية ويُلجأ إليها من الاضطهاد والظلم، وما الأندلس عنهم ببعيد ..
فمنذ اختفاء راية الحق والعدل على وجه المعمورة، انتفض الانسان لفطرته ووجوده، فدفع بذلك الدماء والأشلاء من أجلهما، وما الثورات الغربية من الثورة الفرنسية إلى الامريكية مرورا بالثورة البلشفية لمن استحقاق الحق والعدل، وتثبيتهما كروح انطلاقة جديدة لبناء المجتمعات الحديثة على أنقاض الظلم والاستبداد، فمن فطرة الانسان أن هذا الخلق الأخير مذموم ومدحور بحق السيف والدم، فالغرب دفع الملايين من أجل هذه المبادئ الانسانية، وتخلّص من الرذيلة الاستبدادية وحقّق تدريجيا المساواة بين الأفراد والمجتمعات، وكان آخر ذلك بعد الحرب العالمية الثانية، إذ رفض الغرب أحادية المنظر والاستعباد، فانتفض على قلب رجل واحد ودحر الفاشية النازية، وكان له ما كان بعد ذلك، الحرية والرقي والازدهار فيما هو عليه حتى يومنا هذا ..
فبالقسط والعدل تحيا الامم وتتقدم بغض النظر عن دينها ومعتقدها، ولذا قال ابن تيمية -يرحمه الله تعالى-:" إن الله ينصر الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ولا ينصر الدولة الظالمة وإن كانت مسلمة " ، فالعدل ميزان النهوض، والظلم ميزان الهاوية والهبوط، فتحقيق العدالة الاجتماعية من أوثق ما يصبوا إليه الرجل العادل وكان ذلك شيّم الغرب في بداية الطريق، والعدالة الاجتماعية هي ما اجتمع عليه الأفراد بعدل من قيّم أخلاقية وسياسية ومالية واقتصادية واجتماعية وثقافية، وجعلوا لذلك مؤسسات تضبط ما تعاهدوا عليه في دساتير ومواثيق يرجع إليها الجميع في النزاعات، ويـذكَّر بها من أراد أن يستعلى أو يتجبّر، فغُرِس ذلك في أدبيات القوم وأصبحوا على إثرها صمّام أمان لتلك المؤسسات حتى لا يتعثر المجتمع، وإذا صار خللا فيه فالبديل هو الظلم، والظلم مرض إذا استفحل في قوم نخر حتى المعتقد.
فالغرب اليوم في أوجّ عهده من العدل والمساواة، ولكن في الامر خلل، فالعدل والقسط اللذان هم عليه خليط من تعاليم الديانات، فمنه من نُسُخ ومنه من هو ثابت ومنه من هو مخترع، وتطور حسب المبادئ والعلاقات التي تربط المجتمعات والكيانات، فالغرب اليوم أصبح غير الغرب الذي كنّا نعهده، فالرأسمالية العالمية طغت على المبادئ التي تحكم بالعدل المجتمعات الغربية، وأصبحت المادة هي من تسيّر الأفراد، وأفرغت مضامين العدل والمساوات من رأس كل فرد في الغرب، فطمع الدول الغربية أصبح جلياً واضحاً في البلدان أو المستعمرات الاخرى المباشرة وغير ذلك، فالحروب اليوم هي من أجل تفريغ مجتمعات ثروتياً وإعمار مجتمعات أخرى بغير حق وعدل، فما كان مستورا البارحة باسم الحقوق والحريات أصبح فضيحة اليوم، وما كان منشودا البارحة من مؤسسات غربية تدعوا إلى حقوق البشر على المستوى العالم أضحت أكذوبة عرّتها التدخلات، فرحم الله الفيلسوف ابن خلدون حينما قسّم الإمبراطوريات إلى ثلاثة أطوار من نهوضها إلى سقوطها، وحددّ لها زمنا لا يزيد عن قرن ونيف من فجر بزوغها إلى سنين انهيارها، فالطور الاول كما قال طور البناء والتشييّد وأسّها العدل والمساواة كما أسلفنا، والطور الثاني ثمرة العطاء والعمل الدؤوب ورؤية ما تحقق والتمتع به وهو زمن الازدهار، والطور الثالث يخلف خلفا حديدا لا يعرف للبناء طريقا على السوية القديمة ولا يحافظ على المكتسب والثمرة، فيتلقى الأمانة جاهزة فيخرق السفينة باتجاهه غير اتجاه أسلافه في الحفاظ على المركبة، فيسلك على أثر ذلك سياسات جشع وطمع وأن العدل نوعا ما داخليا فلا ينجو من جور وظلم الأمم الاخرى وهذا الذي هو نخن عليه اليوم من تكريس سياسة الامر الواقع في البلدان الاسلامية، وتثبيت سياسات الأسلاف بطرق مفضوحة، فلا عدل منشود ولا مؤسسات دولية تحميه، فشعاراتهم داخلية ولَم تكن في يوم من الأيام خارجية، أو ذات قسط اتجاه الامة الاسلامية .
فما يحدث اليوم في العالم العربي من اضطرابات لهو من سياسات الغرب اتّجاه المستعمرات، فالعدل بينهم قائم وفِي اضمحلال، وتجده غائبا اليوم في بلداننا بسبب تثبيت حكّام لا يهمهم من البلدان الاسلامية إلاّ خدمة الأسياد بتفريغ الاوطان من الخيرات وإيداعها في يد الغرب يتمتع بها كيف شاء، محققا بذلك عدالته اتجاه رعيّته على حساب شعوبنا وأمننا الاجتماعي، فشاء ربك أن يجعل من هذه الخيرات المسروقة نقمة على الغرب، فانتهج نهجا سيهلكه لا محالة، فالرأسمالية هي حب الأصفر وعبادته، وبقدر ما عندك من اليورو والدولار فحريّتك مكفولة وعدالتك مصونة، فالغرب اليوم فيه من الشرخ الاجتماعي ما يعلمه الاّ الله ومن يعيش فيه ويدرس تطوراتها، فبزوغ الإقطاعية أو اليمين المتطرف أو المحافظ ليس من عبث، وتفكيك الاتحاد الاوروبي بدءً بخروج بريطانيا منه لمن سياساته، وانتخاب اليوم لدونالد ترامب رئيساً لأمريكا لمن توَجُهات الرجل الغربي البسيط في تحقيق العدالة التي أصبحت مغيّبة، فسياسات اليوم في الغرب تتجه إلى الاقصاء شريحة هائلة من المقيمين في الغرب، فأراني يتحدث عن ازاحة ثلاثة ملايين من الغير مرغوب فيهم بأمريكا، وكذا اليمين المتطرف في فرنسا في حالة وصول مارين لوبان لسدّة الحكم، وكذا النمسا وبلجيكا وهولاندا وألمانيا، ناهيك عن سياسة الحقد للأحزاب التقليدية الأوروبية، فالغرب دخل في مرحلة ركود سياسي غير مسبوق واحتقان اجتماعي غير معهود، فالبطالة نالت شريحة مهمّة في مجتمعاته، فطبول المظاهرات والعصيان المدني على الأبواب، وما نراه في امريكا اليوم لخير دليل، والقادم أدهى وأشدّ، فالتفكيك والانطوائية على مكاتب صنّاع القرار، وربيع غربي على غرار الربيع العربي على الأبواب وإن لم يكن مسلحا، فما بُني على عدلٍ لم تُحافظ عليه الأجيال، ويبقى عدل من فطرة الانسان، ولن يسود ما لم تضبطه عقيدة ربانية، فذلك استدراج وربك هو الحكم العدل وإليه تُرجع الامور ..
السلام عليكم ..
==========================
كتبه : نورالدين الجزائري

14 صفر 1438هـ..الموافق ل 14/11/2016 

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire