Rechercher dans ce blog

lundi 14 novembre 2016

مقال بعنوان " عَوْلَمَةٌ أم غَوْلَمَةٌ .. " بقلم المدون نورالدين الجزائري


عَوْلَمَةٌ أم غَوْلَمَةٌ ..

يقول أحد ثعالب ومنظري العولمة :" لقد وجدت نافذة من خلالها حسَّنتُ القبيح وقبّحتُ الحسن وذلك من ثقب في غرفة مظلمة، غرفة لم ينتبه لها من روَّجت إليه بضاعتي الكاسدة، وأفكاري الهدامة الماكرة، ولإنسانيتي الحيوانية التائهة، حتى أصبحت بعد انحطاط في سيادة ورفعة واتّباع وثروة، لم أكن أتوقعها وأنا قبلها كنت على أعتاب حبل مشنقة".
العولمة، مصطلح كُتِب فيه المؤلفات والمقالات، أزبدت فيه الأقلام والألسن وكمّ من العبارات، تراشق بمفهومه المحافظ والمتحرر، وكذا الخلوق والعاهر، وسوّق له السياسي والاقتصادي، وكذا العسكري والثقافي، فاختلافهم في مفهومه أكبر وأعمق من تلاقيهم في قبوله، فالبضاعة محفوفة بالشبهات، ملغومة بالتعريفات، مليئة بالتناقضات، مصدرها القوي وما يريد من الضعيف، وكذا السيّد وما يريد من العبد، إشهارهم حب الانسانية، وبضاعتهم إحياء وتكريس العبودية.
فالعولمة عند أصحابها هو هذا العالم الكبير الذي يجمع الانسانية وسبل تقليصه وجعله قرية صغيرة تذوب فيها معالم التواصل الإنساني من السياسة والاقتصاد والتجارة والتصنيع وتبادل المعرفة والعلوم والثقافة إلى النسيج الاجتماعي من اعتقاد وطقوس وعادات تمسّ المجتمع والفرد داخل القارات الخمس مرورا بالعرق والأحساب والأنساب والقبيلة والطائفة وما حولها.
فالفكرة في مجملها من الروابط الانسانية التي تحث عليها الفطرة والغريزة، وهي أصلاً من هدي القرآن معرِّفا بمفهوم للانسان، إذ جعل النَّاس شعوبا وقبائل للتعارف والمعرفة، والتعارف من تحقيق المصلحة المشتركة بين بني البشر، والمعرفة من روابط العلوم المختلفة وما يربط الانسان بالإنسان من نسيج اجتماعي خاصة، رابط الايمان والعقيدة والدم والقرابة والتعاون. نعم العولمة بمفهومها الفطري هي صلة الانسان بالإنسان بما يخدمه من تعارف ومعرفة مربط أسسها التعايش والاحترام المتبادل.
لكن من غرائز الانسان التوسع على حساب الانسان والتّعدي على أرضه وخيراته وممتلكاته، والسيطرة على المجتمعات والهيمنة على الدين والمعتقد وطمس المعتقدات الاخرى وتثبيتها بل إرغامها كرها على حساب معتقدات الآخرين، فالأطماع غالباً ما تكون هي وقود هذا التجنّي على الآخر، أطماع سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية وانتصارا لعرق المتعدّي وجعل اتباعٍ له طوعاً أو كرهاً ..
فمن جملة ما قاله الفيلسوف الفرنسي ديكارت أن الضعيف يتبع القوي ولا يمكن للقوي أن يتبع الضعيف وهذه من المسلّمات الفطرية، إذ من غريزة الانسان كما أسلفنا التوسع وعلى إثره تحقيق سبل وطرق وآليات هذه الغريزة، فتُحاك المخططات والدراسات وتُبنى على أثرها السياسات، وتعمل لأجلها ربما أجيال لتسويق الفكرة خارج العقول وتجعلها واقعا معاشا ببناء منظومات عسكرية وتمويل مستمر للأهداف، فتنطلق الحملات لذلك وتُجتاح البلدان والقارات تزهق بذلك أرواح وتنتهك حرمات، وكل ذلك من أجل أن تكون التبعية للغزاة في كل ما يتعلق بالتعارف والمعرفة إلزاماً، فتجد بذلك بعد فرض الامر الواقع جهادا أو مقاومة من طرف المستضعف تؤدي غالبا إلى إعادة ما نُهِب وسُلِب ودُمِّر وبُدّل، وكوارث عديدة كثيرة من هذا التوسع تعاني منه أجيالا عدّة بعده، ويصعب الترميم في كل ما كان من حياة قبل الغزو اللعين.
فكلما تقدم الانسان نحو التطور ونظرته للحياة فتلقائيا يجد أساليب تكيّفية لأطماعه التوسعية، فأيقن هذا الكائن القوي أن أساليب الغزو لا يمكن أن تكون كما عرفها الانسان البدائي، وكان لزاماً عليه تطويرها إلى أفكار اُنفِق عليها الأصفر والابيض، فبعد خروجه من المستعمرات طوعا أو كرها، غرس فيها جينات تابعة له أعطاها مفاتيح الحكم و حقن فيها إبرة الولاء له عبر مقايضات سياسية أو مالية، فكانت على أثره ما تعانيه اليوم بلدان التبعية من التحكّم فيها عبر رومنت_كنترول ببزة عسكرية محلّية، واُخرى سياسية واقتصادية، وعبر قنوات تحكّم أخرى أيضا منها ثقافية وإعلامية ورياضية، فأصبح بذلك الضعيف لا يمكن أن يناور إلاّ في حلبة القوي ودوائر صناعة القرار، فتارة بتحالفات سياسية دولية متمثلة في هيئة الامم المتحدة ومحكمة العدل الدولية، وعسكرية بانضمامه إلى مجلس الأمن الدولي، وتارة اقتصادية بتوقيعه في المنظمة العالمية للاقتصاد، فأصبح التابع رهينة سياسة المُتبع يُسيِّره كيف شاء، غير آبه بقضاياه المحلية أو الإقليمية ناهيك عن كارهي الدولية.
 فبانفجار عالم الصناعة وتطوّره، وتحرير الاسواق العالمية ووضع قوانين للقوي على حساب الضعيف، توسّع العالم الغربي المصنّع في القارات الاخرى وعلى حساب شعوبها بأدوات ذكية، جعل من تلك البلدان أكثر تبعية وبأمّس الحاجة له، محتكرا بذلك التصنيع وآلياته وتقنياته وسبل وطرق الوصول إليه، فأصبح العالمين بلدان طريق النمو وبلدان العالم الثالث ساحة استهلاك للبلدان المتقدمة، ومخبرا لسلعه في تلك البلدان، من السياسي إلى الاقتصادي إلى الثقافي مرورا بالاجتماعي، فصُنِّع لنا مجتمعا يدار من طرف وسائل وأجهزة تتحكم في كل شيء وشرطي وعسكري على كل من خالف ويخالف شروط احتلاله الذكي.
 فالعولمة بمفهوم الغرب وما روّج له كفكرة استهلاكية هي جعل من هذا العالم كما أسلفنا قرية صغيرة يُعطى الأولوية للعلاقات الاجتماعية والإعلامية والمواصلات عبر هذا الفضاء الافتراضي بأنواعه، وأن تُكسر الحدود والحواجز بين شعوب المعمورة في الاتصال والتعارف، وأنزلنا يجمعهم إسمه التنافس في الخير والقيّم الانسانية، فصاحب المنتوج كان عليه إيجاد مثل هذه البضاعة التسويقية وتمريرها باحتلال العقول قبل القلوب والمعنوي قبل الحسيّ، فنجح بذلك أيّما نجاح، فالتابع اليوم أكثر خرابا ودمارا من المتبوع وبسنين ضوئية، فقد خُرِّبت بلدان بفرض أجندات وحكّام على المقاس تحكم شعوب التبعية بسياسة الحديد والنار وإن اتبعت أحيانا بضاعة القوي ألا وهي آليات الديمقراطية، ومنها بعد ترسيخ جِنَات الحكم فسياسة البلدان تُحكم اقتصاديا من طرف مؤسسات مالية دولية تتمثل في البنك وصندوق النقد الدولي، ومنظمة التجارة العالمية، وزد على ذلك التّحكم في شعوب الاستهلاك من طرف آليات ثقافية وإعلامية جعلت من المباح حراما ومن الحرام مباحا، أدخلت الاباحية والمجون والسفور إلى بلدان الضعفاء، فلا رقابة ولا هيئات حكومية تعمل على صدّ مثل هكذا هجمات غير الأخلاقية، ففاقد الشيء لا يعطيه والمحرّض عين على كل ما يخدم أجنداته ولو كلّف ذلك تدخل الجيوش الأجنبية ..
فلطالما طرحت على نفسي سؤالا هلك عقلي ونخر فكري، ومن باب التفكّر والتمعن فيما عليه بنو البشر، فيا أَيُّهَا العاقل فكِّر معي هنيهة، واسمعني بقلبك قبل عقلك، فهل خُلقت لتتعلم ومنها لتتزوج وتتخرّج وأحيانا عكس ذلك، ومنها تتوظّف وتنجب أولادا وترتقي في عملك ومنها تخرج إلى المعاش ومنها تنتظر الموت وبعدها تموت، وتنتهي قصتك في هذه الحياة، وكأنك أَيُّهَا المسكين مُبرمج كالآلة تؤدي دورها وحين تسقط بالتقادم تُرمى إلى مزابل النسيان، أوَ لم تعلم أن كل ذلك إنَّما هي إرادة دولية ومحلية، فهل جُبِلت على هكذا حياة مبرمجة يا من تدعي العلم والتحرر والحريّة، فما محلّك من الاستبداد والعبودية .. !!!
السلام عليكم ..

=======================
كتبه : نورالدين الجزائري
12
صفر 1438هـ الموافق ل 12/11/2016


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire