Rechercher dans ce blog

jeudi 29 décembre 2016

مقال بعنوان "لغة الضاد ما بين العلم والعبثية والإهمال " بقلم المدون نورالدين الجزائري


لغة الضاد ما بين العلم والعبثية والإهمال ..

ما من أُمَّة إِلَّا ولها لسان مبين تتميّز به عن سائر الأُمم الأخرى، وفِي داخل الأُمَّة الواحد تتعدد الألسنة واللغات واللّهجات حسب الجنس والعرق، وحسب المدينة أو القبيلة أو العرف، فهذا من التنوّع الرباني والإعجاز الإلهي في بني البشر، كما للحيوان تنوّعه ولسان حاله، وكذا كل ما خلق ربّنا فنعم الخالقين ..
ومنذ القدم حاول الانسان معرفة أخيه الانسان من خلال دراسة اللسان المشترك وهو : اللّغة، وأسس على إثر ذلك علما يدرّس في أرقى وأعرق الجامعات العالمية وخاصة الغربية منها، أسماها بعلوم الانسان أو الأنثروبولوجيا، وشارك في ذلك كل من علماء الآثار وعلماء النفس والاجتماع، استخدموا أساليب عدّة في معرفة أصل كلام الانسان من حيث النطق والصوت والكتابة، ومن هذا الفهم والعلم وصل الانسان إلى ما عليه اليوم من تقدم هائل في مجال العلاقات العامة من سياسة واقتصاد وثقافة وفنون وكل ما يربط ببني البشر بعضهم ببعض، فلولا لغة الانسان ونطقه أيضا ما عرفت الانسانية السبيل إلى الدّين ومعرفة الله ورسله وخاصته من عباده، ولكن الله عزّ وجل ومن حكمته وشأنه خَصّ الانسان في خلقه وفي ملكوته، وفِي نزوله على الأرض بدين واحد، وكما جعل للإنسان معتَقدا واحدا فقد خصَّه أيضا بلغة واحدة ومن خلالها الوصول إلى معرفة الله حقّ المعرفة، وبها يسعد الانسان في مجالات علمية عدّة تخدمه ونسله، ومن حكمته عزّ وجل أن يخصّ آخر كتبه ورسله بلسان عربيّ مبين، وهذا أيضا من الإعجاز الرباني في بني البشر، وفطرة قد فطرها فيه في خلقه الأول، أن عَلَّمَه القلم، وغرس من العقيدة في فؤاده، ومن لغة مثالية في عقله حتى يتسنى للإنسان الوصول إلى هديّ الله بمعرفته، والشاهد من حديث الفطرة يعلم ذلك، وهو بيّن أنّ الدين مغروس في الانسان وكذا اللغة والتي بها وفقط يصل الانسان لملكوت الله رب العالمين ..
يقول عالم اللسانيات نعوم تشومسكي إنّ للإنسان لغة مثالية مغروسة فيه، وأنّ تحولا عرضيا واحدا حدث لفرد منذ مائة ألف سنة تقريباً، ممّا أثار الظهور الفوري للقدرة على اكتساب اللّغة ويعرِفها بـ "مكون من مكونات الدماغ"  بصورة مثالية أو قريبة من المثالية، وهذا يعني أن الانسان فُطِر على لغة واحدة وأن عرفها أو اكتسبها عرف علوم الدين والدنيا، وبها يصل إلى الخالق بجدارة عالية، وطبعا تشومسكي من خلال علمه باللغات أو اللسانيات يعلم ما هي ولكن للجحود علامات استفهام شخصية أو دسيسة دينية وسياسية، فالرجل تراه دائماً من المناصرين للعرب والمسلمين وعلى العاقل فهم ذلك ومن خلال الكلام يفهم به لبيب البيان وعليه تكون حالة اللسان ..
والمتوقف أمام أوائل سورة الرحمن يجد ذلك ملياً، فربّنا علّم القرآن بعد أن خلق الخلق في ملكوته، فقد قال للملائكة إنّي خالق بشرا كخليفة على الارض ومنها محاورتهم له سبحانه وتعالى حتى انتهى إلى أنّي أعلم ما لا تعلمون، والقرآن هو بلغة ولسان عربي، فربنا بعد القرآن والخلق علّم الانسان البيان، والبيان هنا كما قال أهل العلم : هو كل ما يريد بيانه وإظهاره بلسانه مما في ضميره، ولهذا تجد علماء الأنثروبولوجيا يؤكدون أن الانسان خُلق مفطورا على لغة وأنّها في مخزونه العقلي الداخلي أو ما يسمونه بالمادة الرمادية، وما قبول الانسان للإسلام والإقبال عليه وسهولة تعلُّمه وتعليمه لدليل على ما فُطِر الانسان عليه عند الله، فكم من عالم مسلم لم يكن عربي الولادة والنشأة فَلَمَّا عرف دين الله ولغة كتابه وسنة رسوله أبدع وتفنن في مجالات علمية عدّة، فها هو العالم الرباني في اللغة العربية وأستاذ النحو والصرف إمام النحاة سيبويه فريدٌ من نوعه وميزته في علم اللّغة والمفردات، فقد وصل ومن معه إلى أن للّغة العربية 12.375.000 من المفردات، وما من عالم انثروبولوجيا اليوم يقرّ أن اللسان العربي الأكثر ثراءً في فهم جميع العلوم وما توصل إليه الانسان من معرفة، ولذا لمّا كان سلطان الله قائما يحكم الناس بالعدل في ظل شريعة سمحاء وصل إلى ما وصل إليه العرب من علوم وفنون في كل مجال الحياة والمعرفة، فَلَمَّا كانت الاستقلالية في البحث العلمي أبدع اللسان العربي حتى كادت كل أوروبا تبعث بأبنائها إلى جامعات المسلمين في الأندلس والبلاد العربية، ومن سرّ الوصول إلى هذه العلوم كانت الترجمات على قدم وساق من العلوم والتراجم الأخرى إلى اللّغة العربية، فحصل للمسلمين عزّهم وملكهم لأقطار الدنيا، وأن كما يقول علماء اللسانيات اليوم أن لغة شكسبير والتي هي لغة العلوم أن مفرداتها لا تتجاوز 600.000 ألف مفردة، وكذا لغة موليير لا تتجاوز مفرداتها 400.000 ألف مفردة، وزد على ذلك اللُّغَات التصويرية كاليابانية والصينية وللآخيرة 40.000 ألف مفردة فقط، وكم أيضا من اللغات التي اندثرت ولم يعد لها علما، ولك أخي العربي والمسلم أن تتخيل حجم العلوم التي توصل إليها هؤلاء اليوم وبلسان حالهم المحدود، فلغاتهم جلّ مفرداتها دخيلة بنسبة 52% ولا يوجد فيها علاقة ما بين المنطوق والمكتوب بخلاف اللغة العربية فهي كما تنطق تُكتب، والدارسين لهذه اللغات الأجنبية يعرفون أو يعلمون ما أقول، فمثلا اللغة الانجليزية تجد فيها 86% من خليط ( انجليزية-لاتينية-إغريقية)، وبالرغم من كل هذا فعلومهم تركّزت على الترجمات وخاصة كل ما نُهب في حقب الاستعمار في العالم الاسلامي، فقد ترجموا كل شيء حتى وصلوا إلى ما هم عليه من علوم والله المستعان ..
نعم الأمر مؤسف جداً وحزين في نفس الوقت، والذين هاذوا ويعيبون اليوم على لغة الرحمن وكفى بكتابه العزيز شهيداً، فهؤلاء لا يعلمون ما يقولون وحقًّت عليهم كلمات العلامة ابن خلدون حيث يقول في مقدمته وفِي الفصل الثالث والعشرون :" أن المغلوب مولع أبداً بالاقتداء بالغالب في شعاره وزيّه و نحلته و سائر أحواله و عوائده" ، فلو رجع هؤلاء إلى دراسةٍ نقدية مع الذات والمجتمع وأعدلوا في أنفسهم ودينهم لوجدوا أن الخلل في تخليهم عن لغة العلوم، لغة الرحمن، لغة رب العالمين، لغة النبيّ الأمين وصحبه الميامين، فبها تُعرف سفينة الرجوع  ـ وإلينا ترجعون ـ وبها وصل الأجداد إلى ما نبكي عليه اليوم من ملك ساهمنا في ضياعه، فلك أخي العربي والمسلم لو رجعت إلى دينك ورشدك واهتّممت بما عرف سبيله الأسلاف، ونفضت عن لسانك كل ما هو دخيل على ما فُطِرت عليه، فو الله وبالله وتالله لبسُطت إليك الدنيا ولا لفظتها، وفِي ذلك معرفتك بربك وما سخره لك في الدنيا قبل الآخرة، فلا تنطق جهلا وما لا تعرف وتتهم أن سبب تخلُّفك ما فُطِرت عليه وبكون بذلك اتّهامك للخالق عزّ وجل ولما جعل لك بصراً ونوراً، فارجع إلى رشدك ولسان ولغة دينك، فبها تُسعد كما سعد الاولون ولمدة 8 قرونا ونيف ..
فلغة مثل اللغة العربية والتي تحتوي الملايين من المفردات كما بيّنا لهي لغة العلوم والمعرفة بامتياز، ولذا قال أهل الاختصاص إن كل العلوم بلغات غير العربية صعبة الفهم والترجمة بخلاف لو كانت بلسان عربي مبين، فمن الإعجاز أن العلوم بلسان عربي تُفهم بقياس وقتي أسرع من اللُّغَات الاخرى وذلك مما يؤكده عدة أكاديميون، فَلَمَّا كان عزّ اللغة في أوجّ ظهورها لم يكن من العلوم الأخرى إِلَّا الإذعان لها ولبحرها، فالعرب ترجموا كل العلوم حتى الذي كان دخيلا عنهم كالفلسفة، ولكم في شيخ الاسلام وكيف صحح منطق الفلاسفة وأقرّ ذلك فلاسفة الأمس واليوم، فلسان العرب سلاح لو عُرف قدره اليوم ممن يُحسبون على العرب لأسترجعوا عزّ الأمس بتكنولوجيا اليوم، ولو كانوا روّاداً في العلوم والمعرفة بأصولها وفروعها، ولذا تفطّن الغرب لهذا السلاح أكثر فتكاً فيهم وحاربوه بمراحل منها الغزوّ والتبعية بعد ذلك وفي أطواره إبعاد المسلمين عن دينهم أو بالأحرى عن لسان فهمهم لعقيدتهم، فانظروا اليوم إلى الادمغة العربية وكيف تتخطف من أرقى الجامعات والمعاهد العلمية وبعدها الدوائر السياسية وتبعاتها، فالإغراءات على قدم وساق لهؤلاء، فو الله ليس لعلمهم بل حتى لا تفطن الأُمَّة من سباتها برجوعهم لبلدانهم، فكم من مبتعث نابغة أغروه وأفرشوا له أبسطة من الأموال والزينة، هذا مصداق قول الله تعالى في استمرارية قتال المسلمين ومنها هذه الأساليب الإغرائية، فتجد اليوم من ينطق قيحاً وقبحاً ناقماً على لغة العالمين المثالية، فعلماء اللسانيات والأنثروبولوجيا يقرُّون في أبحاثهم وأطروحاتهم أن ما وصل إليه العرب من علوم فبسبب لغتهم التي لا تضاهيها لغة أخرى، وإن رجعوا إلى لغتهم وهيئوا لها الأرضيّة العلمية سيلحقون بركب الحضارة في وقتٍ قياسيٍ مذهل، فهم أهل العلم والمعرفة بامتياز ولا مفاخرة، وهي منّة من رب العالمين على الانسان والمسلمين فيا ليت قومي يعلمون ..
السلام عليكم ..

======================

كتبه : نورالدين الجزائري 
30
ربيع الاول 14388هـ الموافق ل 29/12/2016


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire