Rechercher dans ce blog

vendredi 16 décembre 2016

مقال بعنوان "معارضة أم مضاربة .. الجزء الاول : الحكم بين الموروث والتيه .." .... بقلم المدون نورالدين الجزائري

معارضة أم مضاربة ..
الجزء الاول : الحكم بين الموروث والتيه ..

لا شكّ أن الابتعاد عن دين الله يسفر خللا في الاعتقاد، والرؤية الشاملة للإسلام الحقّ، ونبل الرسالة السماوية، والدور الحقيقي لمن اُستُخلِف في الارض، وجوداً واعتقاداً ودوراً، ويورث ويوّرث الأراء المتعددة، ويبرز رؤوس جهّال من العامة للكلام بلسان الحال، ويُتكلّم في شؤون الامّة والمذهب والجماعة رويبضة لا يعرفون حجم المسؤولية المكلَّفين بها، وإن عرفوها فهم أول من يكفر بها، فتقديم المصلحة على المنفعة كالمتوضئ بالنجاسة، وتقديم المتغيّر على الأصل كالباني بنيانه من رمل ..
ومن السنن تبيّين الحقائق للإنسان وإدراك المغزى منها، فالأصل فيها من بناها على التجارب وأخذ العبر من التاريخ البشري، تاريخ الأُمم من قبل، تاريخ الأُمَّة عبر الوجود، تاريخ الأُمم المعاصرة، نشأتها، أطوارها، فلسفتها، هدفها، سياساتها الداخلية والخارجية، ثقلها العلمي والاقتصادي، الايجابيات والسلبيات في مجتمعاتها، وعلى راْس كل هذه الامور عقيدتها ومعتقدها، ولعل الواحد منّا يدرك اليوم أننا لا نقيم لهذه التعريفات وزنا، ولا نفهم في هذه المصطلحات سطرا، فميزان الدول وقوّتها في رجال المرحلة، فلكل منها تأسيس وترجيح، ولكل منها المفكّر والمطبّق، ولكل منها ميزان اجتماعي يوزن الفرد أو الجماعة فيها صلاحه من عدمه، فلا يستقيم حالٌ إلاّ بصدق العمل والاخلاص للمعتقد، والرؤية الجماعية الصحيحة توثّقه، فاجتماع الكلمة قبل كلمة الاجتماع، وسياسة حكيمة رشيدة راْس مال كل فردٍ قبل الجماعة ..
فَلَمَّا سُوّست الانسانية فكان ذلك من بدأ هم الرسل عليهم السلام، فحكمتهم بدين الله وبالتشريعات السماوية، فاُنزلت الأحكام دفعة أو تدريجا، فصنّفت الناس ما بين مؤمن وكافر، وصادق ومنافق، وجماعة حقّ وآخر باطلة، ففي عهد الرسل وبعد الغلبة احتّكم الناس للنص، فعمّ الخير والسلام وانتشر العدل والميزان، فلا أوّل الصف إلى أهل الصلاح والفلاح، علما وتطبيقا، مصلحة الامّة مقدمة على الجماعة والفرد، ولكن السنن تبتلي، ففي كل فترة من الزمن وبعد كل حقّ إلاّ ويعقبه باطل، وبعد كل إصلاح إلاّ وبعده إفساد، فتنتكس راية الحق وتعلو راية الباطل، ويخوَّن الصادق، ويُبيَّض الخائن، وكل هذا من الابتعاد عن الدور المناط لكل فرد وجماعة في المجتمع، فيُكثَر الفساد وتُسوّس الناس به، وينتج المنتفعة من الأوضاع وكل سفسطائي يوثّق الإفساد كتشريع للناس بلسان الترغيب أو الترهيب.
فالإنسانية ومنذ الوجود ما بين أقوام صلاح وفساد، ومن حكمة الله أنّ لكل طغيان تبيان، وصدع بالحق، ومجابهته حسب الظرف والمعطيات والمكان، فكلّما صَلُحت المجتمعات صلُح الفرد والجماعة فيها وقلّ الفساد ، وكلّما فسدت المجتمعات فسدت أنظمة الحكم فيها من فرد وجماعات وقلّ بذلك المصلحون، فالحق والفساد تختلف تعريفاته حسب المعتقد والديانات، فما يُرى حقّا عند الغير يُرى غير ذلك وهكذا، فميزان الصواب والخطأ عند الانسان حسب تعاليمه ومعتقده، فالمسلم مثلا يرى الربا حراما وهو من الإفساد، وغير المسلم يراه آلية صحيحة وركيزة اقتصادية وحَلالا طيبا، فصراع الانسان مع غيره منشأه السياسة الشرعية والوضعية، وكذا ما يسمى بصراع الايديولوجيات والحضارات، فكما لكل نبيّ عدوّ، كذلك لكل مصلح عدو من المفسدين لا يجابهونه إلاّ في غمرة من ضعف اتباعه، وكذا لكل مفسد إلاّ وله مصلح بالقول اللّيّن مهما كثُر وامتد طغيانه، فالمتربص بالحق ضعيف البيان أمام دولة العدل والقسط، والمنكر للفساد قويّ الحجة أمام دولة الباطل والطغيان، وقوانين السنن تقاس وتُوزَن بمدى صمود الباطل أمام الحق وإن كان الحق في خندق الدفاع ..
فاليوم ابتُلينا بأناس جعلوا من الحق جوادا لهم للوصول إلى مدينة الفساد، لا لفتحها بل للاستلاء عليها وعلى ملذّاتها وسبي خيراتها باسم الحكم تارة، وباسم المعارضة تارة أخرى، وكما بيّنا أن الحق مفقود وغريب بين أهله هذه الأيام ناهيك عن حكمه وتقيّده للناس، إذ بالباطل هو من يسوّس المجتمعات، غربية كانت أم إسلامية، فنشأ من هذه الفوضى الخلّاقة حكّام أزالوا الحق من على تاج السياسة، وقرّبوا الفساد وأمدوه سلطانا وكياسة، وقرّبوا شرار الخلق باسم الإصلاح جندًا وأعوانا ومستشارين وزادوهم رئاسة، ونتج من ذلك تابع ومتبوع، حاكم ومحكوم، ولا يكون إلاّ ما رُسِم ممن لا يرى لِلنَّاس إلاّ ما يرى من سياسة ونمط حكم ينقاد القطيع إليه وبه، ومن تكلم في الحضيرة وأقرّ الحكم والوسيلة قُرِّب وجُعِل من الحاشية والفضيلة، ومن أنكر على السياسة المتّبعة فردا أو جماعة في التوجهات المرسومة حُشِر في زاوية المعارضة، واُقنِع أن له رشد في القول والرؤية، وصُرفت له من الميزانية، فكان كقطع غيار لآلة، يُستعمل في آليات الحكم استعمالا، فإذا فسد ألقي في سلة الإهمال أو القمامة، ومن صدع بالحق ملغيا مشروعية الحاكم والحكم على ضوء نص الوحيين فجزاؤه القتل أو النفي أو السجن ولا كرامة، وما نراه اليوم من سياسة لهي الفوضى الخلاقة التي حُذّرنا منها والنتائج بما غرسنا وجنينا ..
فالحكم اليوم في بلاد الاسلام غير الذي شُرع أو جاء بها الدين القيّم، فإننا على خطى فلسفات غريبة لمفهوم ومراد السياسة كمصطلح متعارف عليه ديناً ووضعا، فمآلنا اليوم في تيه بين الموروث والحداثة، آلياته ما بين فلسفة غربية إغريقية، وعرف قبلي، واُخرى فرعونية بحتة، لا استقامة على أصل الإِرْث ولا حداثة في منظور فلسفة الحكم والقيادة، فالإرث منبوذ والحداثة مستوردة من نسخ ولصق بدون قاعدة تغيير ولا مراجعة، فاصطدم الشرع بالوضع، والحلال بالحرام، والمباح بالمحظور، وضُيِّق على المتّسع، واستُوسع في الضيّق، فما كان من الحاكم إلاّ الزيادة في الطغيان ومن المحكوم إِلَّا ضيقا واحتقان، فما نراه اليوم إِلَّا نتيجة الابتعاد عن حقيقة الرسالة من السياسة، وإهمال دراسة الواقع وسبل النهوض بالأمّة، من الفرد والجماعة إلى المجتمع برمّته، لا النظرة الأُحادية الجانب والشمولية الأوامر في تطبيق الحكم وآلياته المحتكرة، وكل هذا أدى وسيؤدي حتماً إلى القطيعة الدائمة ما بين الحاكم والمحكوم إلى يوم الفصل المشؤوم، وما ثورات الربيع العربي لهي القطيعة بين الحقّ والباطل بمفهوم وضعي ممهدا بذلك إلى بتر حكم الشمولية من الأصل بقصاص شرعي، ولقد أعذر من أنذر، والعاقبة لمن عقل واتقى ..
السلام عليكم ..
========================
كتبه : نورالدين الجزائري

17 ربيع الاول 1438هـ الموافق ل 16/12/2016


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire