Rechercher dans ce blog

vendredi 16 septembre 2016

مقال بعنوان " الاستنزاف و عبقرية الدولة الاسلامية " ... بقلم المدون نورالدين الجزائري


الاستنزاف وعبقرية الدولة الاسلامية ..

سيذكر التاريخ حتماً أن مفهوم السياسة الوضعية العالمية أصابتها فئة من الناس في مقتل، وعرّت دعاتها على المشهد العالمي وجرّدتهم من الاحتكار باسم قيّم زائفة رنانة، تشدقت بها زمرة من الرأسمالية العالمية وأذنابها، لإخضاع الدول لمبتغاها الجشع، الأُحادي النظرة والتوجه والغطرسة ..
فالدولة الاسلامية قلبت رأساً على عقب مفهوم السياسة الدولية، وأيقظت من كان في سباتٍ من هذا الزيف العالمي، نعم أصبح الناس مؤمنهم وكافرهم يرى بأم عينه عوار سياسة بلاده، يرى ازدواجية السياسات اتجاه الآخرين، قويّهم وضعيفهم، بدءً بالديانة والأيديولوجية والعرق والطائفية، قلبت العالم الاسلامي خاصة وأصابته في مفهومه لدينه ومعتقده، خلَّت "علماء" الامّة ما بين صادق لربه ومرقّع لدين أوليائه، جعلت من المحلّلين السياسيين والمثقفين والاعلاميين في حالة ذهول من هول الأخبار والاحداث، الكل ينشد هواه بحسب التبعية والولاء للأسياد والممولين ..
اجتمع العالم بكل تناقضاته ونحله وملله على هذه الدولة الفتية، رموها عن قوس واحدة بشتى الأسماء الأيديولوجية والقبيحة، فمن الخوارج كلاب النار انتزاعاً منها ثوب الاسلام إلى العمالة والصنيعة طعنا بولائها للأرض والأمّة، وما ذنبها إلاّ كفرها بالمنظومة الدولية وبما عليه المسلمون اليوم من اعتقاد وتوجه، ذنبها أنها لطمت الانسانية لإرجاعها لسرّ وجودها ودورها في هذه الحياة، ذنبها أنها تحدَّت القطب الأوحد وقلبت عليه مفهوم السياسة والمصالح، وأن للأمة اليوم كلمة مسموعة وعلى المجتمع الدولي احترامها واحترام سيادة من كان سيدا على العالمين ..
إن من مفرزات انحراف الدول "الاسلامية" واتّباعها سياسات وضعية ظالمة، أدّت إلى ظهور الدولة الاسلامية من رحم معاناة المسلمين على مرّ العقود من تخلّيهم عن تحكيم شرع الله، فإنها حصيلة حاصل ومخاض دول فاشلة في كل الاتجاهات، فببروزها في بداية الألفية ودحرها للمحتل الامريكي على أرض الرشيد، فإن بُنيتها كانت من رحم دماء رجالا صدقوا ما عاهدوا الله عليه من إرجاع الأمانة للأمة ولو كلّف ذلك حرب الاستنزاف ولو كلف ذالك النفوس و الأشلاء.
 اجتمعت أمريكا وروسيا وأذنابهما في الغرب ومنطقتنا على هؤلاء الفتية الذين يفكّرون غير التفكير الذي يُراد للأمة بالحديد والسوط والنار، فأمطروهم مصطلحات لثنيّهِم عن معتقدهم وتوجههم، فحُوربوا بمراحل، بالمباشر وغير ذلك، بالمواجهة المعلنة وبصحوات مأجورة، فلما يئسوا جنّدوا "علماء" الامّة وأفراخهم لضرب معتقدهم وآخرين بتشكيل حشود وميليشيات وصحوات لمواجهتهم على أرض الميدان، فما أقبح من هُزِم على أرض المعركة وموّل المرتزقة للنيل من الصادقين،والقبح أعظم ممن انساق وراء المخططات والأجندات لتثبيت قدم الصائل في أراضي المسلمين.
فحامية الصليب أمريكا ومنذ استلامها الارث الاستعماري الغربي، عمِدت على استنزاف الامة بنهب خيراتها وتنصيب حكومات وظيفية لإدارة شركات أعمالها وتسهيل ضخ الأموال والخيرات إلى بنوكها واحتياطاتها، وكان من جملة مخططاتها إيصال الامّة إلى ما وصلت إليه اليوم من عالة على الانسانية، وإخضاعها إلى التشرذم والفقر والجهل لتسهيل التحكّم والسيطرة، وكان كل ذلك بمخطط محكم خارجي وداخلي قيّد إرادتها للرجوع إلى مجدها، فما كان من الصادقين إلاّ دراسة امريكا دراسة شرعية ووضعية عميقة، وكيفية إعادة سلاحها إليها لتدميرها وتدمير ما بنته بأيديها وأيدي عبيدها، ومن بين الأساليب المدروسة سلاح الاستنزاف الذي هو نوع من الحروب يسعى من خلاله اللاجئ إليه إلى تقويض القوة العسكرية للخصم وتوسيع عليه الجبهات عبر تشتيت قوته وتركيزه ومقدَّراته، وإطالة عليه الحروب والمواجهات لإنهاكه وتركيعه وإتعابِه ومن ثمّة يسهل القضاء عليه أو ثنيّه إلى الاستسلام والخروج من دائرة المواجهة ..
كان أول من بدأ بحرب استنزاف أمريكا الشيخ أسامة ابن لادن رحمه الله بضرب امريكا في عقر دارها، ومن ثمّة جلبها إلى أفغانستان والعراق، فتقاسم الشرفاء مهمّة ذلك في كل من البلدين، فكان العراق أشدّ استنزافا من أفغانستان، فأمريكا استنزفت في العراق عددا كبيرا من الأرواح والمصابين ناهيك عن المعدّات المباشرة وغير ذلك، حتى أعلنت إفلاسا غير مسبوق في اقتصادها واقتصاد العالم عام 2008م، وَمِمَّا ترتب على ذلك انهيار اقتصادات عدد من بلدان التبعية للرأسمالية العالمية ..
فإن من المحن تأتي المنح، ومن التجارب تأتي المفارج، ومن الضيق يأتي الفرج، ومن الخبرة تنضج المناورة وسياسة الاحترافية في التحكّم في المواجهة والتصعيد، فكان للقوم من هذه الحرب الاستنزافية وإدارتها الخير الكثير عليهم وعلى ما بنوه من صرح متين، فالقوم اتبعوا وارتكزوا على ثلاثة مراحل فاصلة في هذه الحرب الاستزافية، فكانت المرحلة الاولى مرحلة الصمود وبناء معادن الرجال في ذلك، وشهدت هذه المرحلة في حربهم على أمريكا منذ الاحتلال إلى اندحارها مهزومة مذمومة مدحورة عام 2008م، وتخلل بعد هذه المرحلة مرحلة بناء الصرح وتقوية الجماعة بإظهار المنهج والنهج المتَّبَع، وشهدت هذه المرحلة إعلان الخلافة ومن ثمّة التوسع والتمدد على غرار الحكومات الوظيفية والصحوات المفروضة والميليشيات المدعومة، فَلَمَّا اجتمع عليها الانس وَالْجِنّ من نفايات الانسانية عمِدت إلى مرحلة ثالثة وهي مرحلة التحدّي وفتح الجبهات عديدة بمجموعات صغيرة تضرب هنا وهناك بكرٍ وفرّ لإنهاك العدو وتشتيت تجمّعاته بأقل الأضرار والإصابات ..
إن الدارس للساحة الجهادية اليوم يعي ويعلم أنه لم تجتمع ملل ونحل الكفر على فئة أو جماعة أو دولة كما اجتمعت على أبناء التوحيد اليوم، فالقوة الضاربة لهؤلاء ليست بالهيّنة أو القليلة، لكن نُبغ وفطانة وحنكة مدرسة الرجال جعل من القوى العالمية عاجزة على ضرب أهداف محددة وكأن القوم أشباح في صحراء قاحلة، يضربون متى شاؤوا وينسحبون بإرادة وعزيمة ويقين متى أرادوا، فحربهم كَرّ وفرّ وسياستهم في ذلك استنزاف العدو في الأرواح والمعدّات والجهد، حتى صرّح عدوهم ان في خططهم ما ستدرسه كلّيات الحروب من الجيل الخامس والذي في طيّ الإعداد افتراضياً ..
فالرأسمالية اليوم وعلى رأسها امريكا تدرك حجم الخسائر التي مُنيّت بها اليوم على أيدي هؤلاء، فها هم اقتصاديوها وبالأرقام يعلنون حجم حرب الاستنزاف على اقتصاد الغرب، فأمريكا وحدها وصلت حربها على المجاهدين ألى أزيد من 5 ترليون دولار( خمسة آلاف مليار)، فما تصكّع وانكماش الاتحاد الاوروبي إلاّ من أجل المديونية لأمريكا ودخولها في الحرب على الارهاب والذي كلفها ويكلفها إلى حدّ اليوم المئات من المليارات من الأورو، وها هي الدول الوظيفية تعلن عن إفلاسها وتلجأ إلى الاقتراض من بعضها البعض وبيع بعض من سنداتها السيادية في الغرب، فالحرب على الارهاب استنزف الجميع وما بقي إلاّ القليل من المناورات والاستعراضات و التى ما تنفك وتظهر على أنّها ربحاً للوقت، والتفتيش عن البدائل بتحالفات هنا وهناك لإطالة أمد التّنفّس وتأخير الهزيمة المدوية و التى من خلالها سينهار عالم أمريكا ومن يدور في فلكها ..
سيشهد التاريخ أن فئة قليلة استنزفت العالم بأسره، وأرغمته إلى أن يُشكِّل حلفا عالميا عليها، ويدخل في حرب ظانّاً منه أنه سيحسمها، وإذا به يصطدم أمام صخرة صماء بكماء لا تدين بالولاء إلاّ لرب السماء، فعاداها العالم لسياستها الشرعية ولنهجها الفريد في إدارة الصراعات والحروب، وأنّه في الأخير سيستسلم لإرادة من باع النفس والنفيس من أجل أن يحي الآخرين أحرارا، يعبدون الله ولا يخافون فيه لومة لائم، وأن عزيمة الفرد تغلب إرادة الجمع، وأن الجماعة يمكن أن تهزم دولة وكل ذلك بمراعاة السنن والتخطيط والأخذ بالأسباب والتوكل على رب الأرباب ..
إنّ القوم في مهمّة اليوم وهي استنزاف العدو وضرب شريان وجوده من اقتصاد وأذرعه في منطقتنا، فلا ضير أن أفنوا جميعا فقد أظهروا لنا الطريق، وحملوا على عاتقهم هزيمة العالم بسواعدهم، وعلى أبناء الامة الصادقين إكمال العمل وما بقي من الوحش إلاّ الصراخ، فجسده مدمي ينزف، ومن حوله جفاف مقفع، فالاستنزاف على قدم وساق، وإن رحل الصياد، فالدّابة لا محالة ستسلم الروح، وإنّ غدا لناظره قريب، وليعلم الذين راهنوا على أمريكا انّها سوى فرس خاسر، وأنّ الغلبة لمن أدار السباق باحترافية وفنّ من سياسة شرعية محكمة ..

الســـــلام عليكم ..

=============================
كتبــــــه : نورالدين الجزائري

14 ذو الحجة 1437هـ الموافق ل 16/09/2016

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire