Rechercher dans ce blog

mercredi 20 juillet 2016

مقال جيدد بعنوان " الانصاف ميزان النفوس قبل الخصوم " ... بقلم المدون نورالدين الجزائري


الانصاف ميزان النفوس قبل الخصوم ..


عندما ترى سياسيا مبتدأ في عالم السياسة، أو محاميا أو قاضيا في عالم القضاء، أو اعلاميا أو كاتبا أو أديبا في عالم الاعلام والثقافة، تراه في أول مهامه ملتزما بالإنصاف والحيادية مع المتحالفين والخصوم على حدٍ سواء، وكذا الشرطي والدركي والعسكري تراه منضبطا في سلوكه و أدبياته وما تعلمه في مدارس وكليات التكوين والتي أعطته صفة تطبيق القانون بلا محاباة أو ميولة وهكذا، وكل مبني على قواعد انصاف الاخر قبل النفس وتطبيق ما جُبِل عليه المتخرج حسب الاختصاص من حسن سيرة وسلوك لخدمة المجتمع المثالي بالنسبة لمدرسة التخريج .
وكذا تجد أول من طرق باب إنصاف الغير وأمر ووصى به هو ربّنا عزّ وجل في كتابه العزيز في كثير من الآيات، وأكَّدتُه السنة المطّهرة في عدة أحاديث، و أقّره الصحابة في أثرهم العطر، وسار على نهجه سلف الامة من علماء وفقهاء وطلبة علم من غير إفراط ولا تفريط، ورحم الله من قال : " الانصاف حُلّة الاشراف، والاشراف أقل الأصناف .."، والانصاف في الشيء إلا و ورائه الخير والمعرفة، ومن لم ينصف لم يفهم ولم يتفهم، والمصنفين على لسان الناس من العدول، فإن عدم الانصاف كثر التعصب، التعصب للمدرسة وللشيخ أو للاستاذ  أو للمؤسسة أو للحزب أو لدوائر صنع القرار، فيكون بذلك خدمة أجندات و أراء وعقليات وسياسات من صنع فكر فرعون في رؤية الأشياء وقوله " لا أريكم إلا ما أرى "، فما كانت عاقبته إلا خسرانا و زوالا .
فَلَمَّا قلّ الانصاف كُثُر التعصب للآراء والأشخاص، فالخصوم اليوم في كل المجالات لا يكترثون نعت المخالفين لا بسط أدبياتهم بأبشع الاوصاف، فخصوم الاسلام مثلاً همّهم الطعن في المدارس والمذاهب وبعض روّادها من المشايخ، وإلصاق المصطلحات الشنيعة بهم كالإرهاب والتطرّف والأصولية، وفي نفس المدارس يُرمى الاخر بالغلو والخارجية، ولو تطرقنا إلى علوم الدنيا ومدارسها مثل الفلاسفة وأصحاب الكلام لرأينا الأحوال لا تختلف عن رمي الاخر بالانحرافية والتضليل و المروقية وحتى الخروج عن الانسانية، وكذا كل ينعت الاخر وكأن الاخر معصوم مكتمل .
وعين الضلالة والتعصب للرأي واسقاط الاخر مبني على رأيي صواب لا يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ وهو كذلك حتى يميل إلى فهمي ورؤيتي، وهذا التطرّف في نبذ الاخر إنّما مبني على مصالح شخصية أو جماعية لإقصاء المخالف، ولو وضعنا نقاط الخلاف على مشرحة الانصاف لكان الناعت للأوصاف من المهملين لأول قواعد ما تعلم في مدارس الانصاف، فما حكمه على الاخر إلا لبيئة أو مكون سياسي أو إعلامي أو ثقافي أو حتى فردي تسلطي مبني على أحادية الرؤى والاهداف المتبعة.
فالمجتمعات الاسلامية اليوم ومكونها العلمي الدنيوي على لسان العام نابع من مدارس وطاولات الغرب في علم المجتمعات، فالغرب بمدارسه أول من سقط في مصطلح التعصب ونبذ ثقافة الاخر، فالعقلية الغربية الرأسمالية أدت به إلى نعت المناوئين له بالمتطرفين، فمن باب الايدولوجية الاستهلاكية نعت خصومه بالشيوعية والماركسية في نظرته للاقتصاد والمال، ومن باب الأيديولوجية الفكرية نعت خصومه بالتطرف الديني في نظرته للمرأة وللانحلال الخلقي، وفي نظرته التوسعية نعت خصومه بالإرهاب والأصولية في نظرته لمقاومة الاخر، فمن تتلمذ على طاولات الغرب والشرق فما عسى أن يكون إخراجها إلا ما ترسخ فيه من عقلية إقصائية باسم معارضة الاخر وفي الحقيقة هي صورة ممنهجة لإقصاء و ازدراء وجود المناوئ.
فالمتفق عليه في عقلية المخالف أنّه إذا أراد أن ينصف نفسه رجع إلى أدبيات ما تعلمه من مدارس التخريج، فلا أنصف وجودا وبحثا من أن يجد نفسه في آخر المطاف راجعا إلى تعاليم الديانات في باب الانصاف، فالسياسيون اليوم الغربيين منهم والمسلمين يرجع الواحد منهم في تمرير أجندته  للّجوء إلى ما اختزلته كتب الدين والتراجم في معنى الانصاف، فتراه يتكلم بهذا الخلق الميزاني في التعاملات وكأنه الحارس لأدبياته وتشريعاته، فيحب بذلك ان يُنصَف وبخجل يحب أنصاف الاخر حتى لا يُفضَح، وإن مسك المردود فيعيد ذلك على الخصم بالشوك والوعيد، فلا شكّ أنّه تنطع للنفس وتعصب للرأي وازدراء الاخر بعد الدروس في الانصاف .
وما أروع ما تكلم به العلامة ابن القيم في كتابه العظيم " اعلام الموقعين " في باب الانصاف ما يلخص كلامنا، حيث قال رحمه الله : "والله تعالى يحب الإنصاف، بل هو أفضل حلية تحلى بها الرجل، خصوصا من نصب نفسه حكما بين الأقوال والمذاهب، وقد قال الله تعالى لرسوله: " وأمرت لأعدل بينكم"، فورثة الرسول منصبهم العدل بين الطوائف وألا يميل أحدهم مع قريبه وذوي مذهبه وطائفته ومتبوعه، بل يكون الحق مطلوبه، يسير بسيره وينزل بنزوله، يدين دين العدل والإنصاف ويحكم الحجة ".
 فمصطلح التطرّف اليوم على لسان كل مخالف للآخر حسب الميولة الأيديولوجية والفكرية والسياسية والثقافية، فميزان العدل من أنصف الغير قبل أن ينصف النفس، فإذا وقف المرء أمام نفسه، وعند علمه، كان ممن حفز على علم الدنيا والآخرة، وكان من المنصفين، والانصاف من الميزان، والميزان لسان الاعمال، والأعمال رأس مال الانسان عند من لا يغفل ولا ينام .

الســــلام عليكـــم ...

========================
كتبه : نورالدين الجزائري
15 شوال 1437هـ





Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire