Rechercher dans ce blog

lundi 14 juin 2021

مقال بعنوان " ما وراء تعليق عملية برخان في الساحل الإفريقي وانسحاب فرنسا من مالي فجأة " ... بقلم المدون نورالدين الجزائري

 

ما وراء تعليق عملية برخان في الساحل الإفريقي وانسحاب  فرنسا من مالي فجأة ..

 

عند بداية أحداث الشام وبالتحديد في أوائل 2012م كانت هنالك تقارير استخباراتية غربية تشير إلى أنّ قوة صاعدة لم يُحسَب لها الحسابات الصحيحة والدقيقة من قبل وفي ظل انفراد أمريكي بملفّها في العراق خاصة سينبثق أوّارها صاعدًا متخطية كل التوقّعات الأمنية والجيو-سياسية إلى حد خلط أوراق اللعبة في كل الشرق الأوسط ابتداء إلى آسيا وإفريقيا لاحقًا، تخلّل ذلك إلى المسارعة في وضع الخطط لهذا الرقم الصعب الجديد داخل عدة مناطق نفوذ يمكن له زعزعة الاستقرار السياسي والإقتصادي والإجتماعي، وحقيقة استبقت بعض الدوائر الاستخباراتية الغربية ومنها فرنسا خاصة إلى زج بعساكرها وعساكر مناطق السيطرة تحسّبا لتوسع هذا المارد في بيت مالها وبنوك نفوذها، الشيء الذي تحقّق فعلًا وبقدرة قادر بعد أن ارتكب الغرب أكبر خطأ استراتيجي في تاريخه جعله يتخبّط في حساباته إلى اليوم وهو إخراج الدولة الإسلامية من مناطق نفوذها وسيطرتها في العراق والشام ..

في 2014م دخلت فرنسا إلى الساحل الإفريقي تحت عملية #برخان مستبقة بذلك الدولة الإسلامية من خلال سياسة تمددها، وحينها كانت افريقيا في حسابات الثقب الأسود من ضمن استراتيجيتها التوسعية فقط ومن خططها الثانوية، إذ كان تركيز الدولة على قتال نظام الأسد وميليشياته ومن خان من الفصائل السورية المقاتلة وأدار الظهر للمشروع الكبير الذي وضعه الثقب الأسود على كل من كان خصما للإسلام المنزّل، كان الشغل الشاغل للمخابرات الدولية حينها كيفية اختراق صفوف الدولة للحد من استراتيجياتها في القتال على عدة محاور داخل العراق وسوريا، فكانت التقارير تشير إلى صعوبة واستحالة حصر نوعية القتال والتوسّع السريع والمبهر الذي حقّقه الثقب في خلال مدة قصيرة من قتاله للغرب بقيادة أمريكا والحلفاء، فرنسا حينها كانت من أوائل المشاركين مع أمريكا لقتال الثقب وكان جل عملها استخباراتي تغلغليداخل صفوف أكراد سوريا والبشمركة العراقية، فكوّنت من خلال ذلك بنك معلومات جعلها تستبق كل الحلفاء حتى تنزل بجيشها في مالي تحت عملية #برخان والمتمثّلة في قتال العناصر الإرهابية المتواجدة في الساحل الإفريقي حينها وهي JNIM أو ما يسمّى بجماعة نصرة الإسلام والمسلمين وحتى تكتسب الخبرة في قتالها لعدو لم يسبق لها مواجهته من قبل إلّا في العراق وسوريا وذلك من وراء أمريكا، ففرنسا ومن خلال برخان إنما استباقا لمواجهة الدولة الإسلامية مباشرة في الساحل الإفريقي من البوابة الليبية والتي كانت السبّاقة في تمدد الثقب في القارة السمراء ..

فمصائب قوم عند قوم فوائد، إذ تدخّل فرنسا في ليبيا والإطاحة بنظام القذافي كان الخطأ الإستراتيحي الفادح لأوروبا والذي لمْ تُعمل له الحسابات الصحيحة والدقيقة، فكانت الوبال والحمم على كل سياسات فرنسا في افريقيا ومناطق سيطرتها ونفوذها، ففي أوائل الأمور من عملية برخان لم تكن للدولة قدم قتال بعد في الساحل الإفريقي، فكان جل قتالها لجماعة القاعدة ومن والاها لبعض الفصائل القبلية، فما إن دخل الثقب الأسود إلى الساحل الإفريقي بعد أن خرج من مناطق نفوذه بليبيا وجدت فرنسا نفسها أمام عدو من طينة أخرى واستراتيجية مغايرة كالتي تتبعها القاعدة، فبَأس القوم والاستمالة في القتال والنزال جعل فرنسا تستنجد بحلفائها الأوروبيين وبأفريكوم لاستدراك الأخطار إذ المصير واحد، فسقوط فرنسا في إفريقيا بمثابة سقوط أوروبا وغلق لثروات ومكاسب هائلة للدخل الغربي عموما، فالمخاطر كثيرة على الأمن القومي الأوروبي والغربي استشعرته فرنسا بعد أن فشلت فشلا ذريعا في اختراق الدولة وقتل أمرائها على غرار اختراقها للقاعدة وما قتل دروكدال عنا ببعيد، فبعد أن اشتد الصراع بينها وبين الدولة في كل من مالي والنيجر وبوركينافاسو لجأت فرنسا إلى لعبتها القديمة في فرض الولاءات العسكرية من خلال الانقلابات العسكرية في التشاد ومالي مؤخرًا وذلك لفرض سياسات قتالية على الاصلاحات السياسية والاقتصادية وتحت خدعة أن لا يمكن للدول الإفريقية تحت نفوذها أن تنتهج نهج الإسلام الراديكالي وتدير ظهرها للعلمانية وكل ذلك لتبييض فعلها، فتخبّط فرنسا اصبح جليّا واضحا وفشلها امام مقاتلي الدولة بات شائعًا في كل افريقيا، الشيء الذي جعل من ماكرون يعيد كل حساباته قبل عام من الانتخابات الفرنسية وذلك بإلغاء عملية برخان من اساسها وكاستراتيجية فاشلة أمام تمدد الدولة الإسلامية في كل ربوع افريقيا  وإن لم تبوح بذلك فرنسا ..

وكما قلتُ مسبّقًا فمن يظن أن فرنسا ستخرج من الساحل الإفريقي بهذه السهولة فعليه أن يُذهب به إلى أوّل مصحة صحيّة فهو بذلك لا يفهم عقلية فرنسا في إفريقيا وكيف تدير امورها هنالك، فماكرون ومن خلال جنرالاته ومستشاريه العسكريين استبدل عملية برخان والتي كانت شخصنة في محاربتها للارهاب بعملية أوروبية اشمل وهي عملية تاكوبا Takuba تريد بذلك إشراك شركائها في بيت خيراتها ومالها المآثم والمواجع التي يتعرض لها الجيش الفرنسي وحده في إفريقيا حتى يتم تدفّق الخيرات من بترول وغاز ومعادن نفيسة لأوروبا وأمريكا ولكل العالم، فعملية تاكوبا Takuba هي عملية انتقال من أوحادية النظرة إلى شمولية المصير، فالعملية الجديدة ستحتّم على فرنسا في الطليعة وبدخول أمريكا بقوات خاصة ومساندة بالطيران المباشر وعبر الطائرة المسيّرة وكذلك دخول الصين وروسيا بمرتزقة سيعقّد في الأخير من العملية بكون تقاسم النفوذ والخيرات، وستشهد هذه القوات والتي ستكون متواجدة وبكثرة في الأشهر القليلة القادمة تكاتفا ظاهريا وأطماعا فردية يكون من خلالها فشلا آخرًا، فأمريكا وبكل جبروتها فشلت في الصومال وهربت اليوم منه ونقلت قواتها لتنزانيا، فكذلك روسيا تريد قدم نزال في افريقيا الوسطى إلى الصين التي تشتري الذمم الرئاسية عبر قروض سخية وبنية تحتية، إلى فرنسا التي تبكي اطلالا اليوم عبر اقتسامها لنفوذ لطالما تفرّدت به ولم تأبى القسمة، وكأنّ مشيئة الله جعلت من كل هذه الفسيفساء عدوا ظاهرًا قويا لكن بحكم التناقضات والأطماع ستجعل من كل شبر في افريقيا مكان يلعن هذه القوات المتواجدة في أرض لا تريد وجودهم ولا سياساتهم، بل أرض كادت ان تُجفّ من كثرة السرقات والنهب والمؤمرات على الإنسان وما ظهر من الخيرات وبطن ..

الصراع في افريقيا اليوم صراع من نوع آخر حقيقة، فالعقيدة مقابل المادة وصاحب البلد مقابل الغازي المتكبّر المتعجرف، فالأرض والدار تحن دائما لأصحابها رغم الاحتلال المباشر أو عن طريق الساسة الأفارقة، فإفريقيا تُحكم اليوم بعقلية الانقلابات وبعقلية القبائل، والولاء داخل البلدان الإفريقية للفساد والفوضة، فما جاء به الثقب الأسود سياسة وولاء من نوع آخر فكان ما لم يكن في حسبان فرنسا وأقرانها وعملائها في صراعهم اليوم مع الرجل الإفريقي التي همّشته ديمقراطية وعلمانية الغرب، ففرنسا تدرك أن إفريقيا اليوم بدأت تبتعد عنها شعبيا واجتماعيًا، وأن الجرح التي خلّفته من خلال الفقر وحرمان الفرد الإفريقي من خيراته جعله الآن يدخل في حرب معها وتقديم لها في آخر المطاف فاتورة استنزافها لبلده ولخيراته، والصراع اليوم صراع انتقام مقابل استحواذ وقتال عقيدة مقابل مادة، والغلبة في آخر المطاف لأهل الدار وإن اجتمعت عليه ملل النهب والنار ..

والسلام عليكم

================

كتبه : نورالدين الجزائري

بتاريخ 01  ذي القعدة 1442 هـ الموافق ل  11 /06/2021


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire