Rechercher dans ce blog

vendredi 20 juillet 2018

مقال بعنوان " الغرب و الهزيمة المتوقعة " . بقلم المدون نورالدين الجزائري



الغرب والهزيمة المرتقبة ..

صحيح أن دول الغرب اليوم في حلف عالمي وكأنها دولة واحدة، تحكمها سياسة واحدة، ورؤية اقتصادية واجتماعية وثقافية واحدة، وأن التناغم بينها قائم بقيام المصلحة المشتركة، وما يجمعها إلا بئر ماء واحد تُخرَج منه السُقيَ للجميع لما يسمونه عندهم الإنسان والحيوان وأي كائن كان بمنظورهم الأحادي الجانب في التعريف ..
فالإتحاد الغربي من أمريكا وأوروبا والصين واليابان وروسيا ودول أخرى ناشئة كالهند وكوريا الجنوبية وحتى تركيا وأيضا بعض المحميّات في المنطقة العربية تكتّلهم أو تخالفهم اليوم يُعتبر قوّة، والإتحاد بينهم جميل وقدوة، فعلى إثره منافع جمّة، وفي تجمّعهم سياسة وحنكة، وما يجمع الكلّ إلّا منافع دنيوية ومصالح مشتركة، بالرغم من أنّ القوم يدينون باعتقادات مختلفة، فهم مجتمعون على ربّ واحد يُدعى الرأسمالية، وعلى ابن أوْحد يُدعى الدولار، وعلى روح القدس فريد من نوعه لم يشهده له التاريخ البشري نظيرا يُسمّى القوّة، ومع كل هذه التفاوتات التي بينهم في مفهوم هذا الثالوث الجديد إلّا أنهم في اقتتال داخلي غير المعلن وغير الصريح للعوام، فمع مجيء زعيم جديد منهم بحسب موقع الدولة ومرتبتها في هذا الإتحاد والحلف العالمي، فإنّ المواقف السياسية والاستراتيجيات تتغيّر بين بلدان الحلف ولا ثبات فيها، والتحالفات بحسب مطالب البلد المؤثّر، فمع انتخاب ترامب مثلا، حبس العالم أنفاسه أمام وُعودِه الإنتخابية، وتحزّب البعض لمواجهة إعلاناته الإصلاحية من سياسة وإقتصاد على الصعيد الدولي برمّته، فكان من أوائل أعماله وأجنداته محاربة الدولة الإسلامية في العراق والشام وهزيمتها وفي كل بقعة عليها ولايتها، وصعّد في حربه التجارية مع الصين وأوروبا في المجالات الحيوية، ومع ترسيم بوتين لولاية رئاسية أخرى قُلِبت وأُعيدت الحسابات بين الجيران الأوروبيين في مسائل عدة منها قضية أو أزمة القرم، والعلاقات مع الناتو في المحميات الروسية القديمة، والصراع في سوريا، ومسك العصا من الوسط في الحرب الدائرة بين الفرقاء في المنطقة العربية، وإمساك بورقة الضغط على جل الطوائف المتقاتلة ـ أستاناـ  لإزاحة بشار الأسد أو تسوية سياسية شاملة، فهاهي بريطانيا أيضا تزيح نفسها من الإتحاد الأوروبي وتعلن عن البريكزيت نهائيا وانكماشها داخليا على سياستها وتحالفاتها وإدارة ظهرها حتى لبعض مستعمراتها القديمة، فبعد ستر المستور من تجاذبات سياسية داخل هذا التحالف العالمي فإنّنا اليوم نرى ونلمس إفرازات هذا الإقتتال على الرؤى والمصالح المشتركة، ونشاهد أطماع البعض تقوى ممّا سيؤدي حتما إلى صِدام سياسي كبير بين عبيد الرأسمالية، وإعادة تشكيل وهيكلة الجشع الذي ينمو بينهم ويكبر يوما بعد يوم، وما كان هذا كله ليحصل ويحدث لولا الصراعات في مكمن الكنز الذي يجمعهم، ومنابع الماء التي توحّدهم وخاصة نهوض بعض أصحاب هذه الخيرات الكثيرة والتي من خلالها ينعم الغربي بخراجها، ولا ضير أو مبالاة إن أُزهقت أرواح من أصحاب السُقيا باسم الرأسمالية والدولار والقوّة ..
ففي هذه الأوقات يتواجد الرئيس الأمريكي ترامب ونظيره الروسي في قمّة ثنائية في العاصمة الفنلندية هلسنكي للتباحث في قضايا الوقت ومحاولة حلحلت بعض المشاكل بين البلدين، وعلى رأس جدول أعمالهم القضايا المعروفة كالحد من الانتشار النووي ومفرزات القمّة مع كوريا الشمالية وملف الناتو وأمور معلومة، ولكن ما يخفيه الإعلام وبعض الدوائر السياسية من معاهد بحوث رسمية عن المواطن العادي هو حجم الخلافات التي تجمع نادي الدول الرأسمالية وما طرأ بينها جمعاء من اختلاف الرؤى حول المصالح المشتركة وكيفية إبقاء حبل المنفعة يجمع الجميع تحت محميّة واحدة تديرها امريكا عن طريق روح القدس المتمثّل في القوّة التحالفية بينهم، ففي قمّة بروكسل من أيام صرّح وزير خارجية ألمانيا هايكو ماس أن بلاده لم تعد باستطاعتها الاعتماد كلّيا على أمريكا، ويعد هذا التصريح إعلان طلاق من اوروبا اتّجاه الولايات المتحدة بعد أن قرر الإتحاد الأوروبي عدم زيادة ميزانية حلف الناتو وعدم الالتفات إلى ابتزاز ترامب وانسحابه من الحلف، فألمانيا وفرنسا قرّرتا تفعيل القوة الأوروبية المشتركة وهذا الذي لوحظ مؤخرا بأعداد من الجنود الفرنسيين والبريطانيين في سوريا وبمقدار 50.000 جندي تتصدر فرنسا العدد، وهذه القوّة لا تأتمر بأوامر أمريكية ولا حلف أطلسية لكن منبعها المحافظة على المصالح المشتركة بين البلدين والمتمثّلة في تدفق النفط والغاز من المنطقة إلى اوروبا عبر موانئ تركيا إسرائيل ولبنان، وما قمّة ترامب وبوتين اليوم إلّا للضغط على دول الناتو للالتزامات المالية المرادة من طرف أمريكا، فترامب مستعّد اليوم قبل البارحة بالإعتراف بحق روسيا على القرم وإعانة روسيا اقتصاديا لتخطي وإزالة العقوبات الإقتصادية الأوروبية عليها، وهذا كلّه مخالف لسياسة اوروبا اتّجاه ما تقرّر مع أوباما والإدارة الأمريكية السابقة حول روسيا، فالرئيسان مجمعان على عودة روسيا لنادي G7 وأهمية بوتين للتحالف مع أمريكا خاصة في إيجاد حل للمشكلة الإسرائيلية الإيرانية وكل ذلك إزال العقبة في إبقاء الأسد على رأس سوريا وهذا مطلب روسي إسرائيلي وتصريح صريح من نتنياهو مؤخرا، فالحلف الأمريكي الروسي الإسرائيلي اليوم في قوّة وعلى غير شأن حلف الناتو الذي بدأ يتفكك ببداية تفكك الإتحاد الأوروبي من البريكزيت، وعبء دول الجنوب على الشمال ماليا واقتصاديا ممّا ينذر بكارثة مرتقبة ستدفع بعض البلدان في الإتحاد الأوروبي بالخروج منه متّبعة سياسة بريطانيا كنموذج يحتذى به ..
فإنّ المشهد السوري اليوم أظهر نجوما وآفل آخرين، فبعد أن قُضي على المناوئين للأسد وإبعاد شبح الدولة الإسلامية مؤقتا، فالقوم اليوم في نشوة من نصر افتراضي، وما قمّة ترامب وبوتين إلّا كاجتماع لمحاولة اقتسام الغنائم، فأمريكا استطاعت أن تموّل حربها على "الإرهاب" من خلال حصد مئات المليارات من المحميّات الخليجية، والتلاعب بأسعار النفط من اجل الاستمرارية في تمويل روسيا على إنهاء المهام في سوريا، وقد نجحا البلدان نسبيا في إبعاد الخطر عن اسرائيل وفتح أفاق اقتصادية أخرى أقل عبئا وتكلفة ممّا كان عليه الأمر قبل أحداث سوريا، فالكل ساهم في فتح ممر بري من طهران لبيروت مرورا ببغداد ودمشق، فأكثر من 30 من الغاز العالمي سيمرّ من خلال هذا الطريق ليتم تسويقه عالميا ودون مقابل للأقوياء ناهيك عن النفط وثروات أخرى، فأوروبا متذمّرة وتشعر بالخيانة العظمى من خلال التفاهمات الأمريكية الروسية، ووجود الفرنسيين والألمان بهذه الأعداد العسكرية الهائلة في سوريا من هذه التخوّفات والمغامرات الأمريكية على حساب الناتو، وإدارة ترامب بحاجة اليوم أكثر من ذي قبل لبوتين في كبح جماح إيران على الأرض وتقليل نفوذها في سوريا حتى استقرار الأوضاع نهائيا وإعادة هيكلة نظام بشار بمفهوم اتفاقية أستانا وإدخال القطيع مرة أخرى في حضيرة الثالوث كعبيد لمشاريعهم المستقبلية، وهذا ما صرّح به اليوم بوتين حيث قال: " يجب إعادة الوضع بالجولان وفق اتفاق وقف النار بين سوريا وإسرائيل لعام 1974م " ، وهذه دلالة ورسالة ايرانية لأمريكا من طرف روسيا على حل القضية السورية عن طريق الملف النووي الإيراني وانّ الأمور غير قابلة للتجزئة وأن على روسيا وأمريكا أخذ بعين الإعتبار طلبات إيران مقابل سلام مع اسرائيل وعودة الاتفاقيات القديمة في المنطقة ..
فالقوم تحسبهم جميعا وقلوبهم شتّى، فعودة الدولة الإسلامية باستراتيجية قتالية جديدة أدّت برؤوس القوة المتحالفة إلى إيجاد حل سريع للصراع السوري، فالأوضاع الإقتصادية في روسيا من خلال الفيتو الأوروبي عليها لم تعد تسمح بالإستمرار في تمويل ماكنة الحرب في سورية، فمن أيام فقط أعلنت الإمارات أنها ستوقف تمويلها للحرب وللآلة الروسية في المنطقة وهذا بعد ظهور أزمة اقتصادية حادة في هولدينغ أبراج البلد وأنها في إفلاس شبه تام، وما أزمة الأردن ببعيد عن ما بجري في المنطقة، ومع زيادة انتاج النفط السعودي بتوقّف النفط الإيراني وصعوبة صعود سعر البرميل في الاسواق العالمية، والأزمات الإقتصادية الأخرى في كل من مصر وتعويم الجنيه، وتراجع الليرة التركية، فقد تؤدي الأوضاع إلى ركود اقتصادي عالمي فضيع بحدود سنة 2020م ممّا سينذر بفوضى عارمة في كل من منطقة الخليج ودول المغرب العربي وبلدان الشام إلى آسيا مرورا بالبلدان الناشئة كالهند وباكستان، فالتحذير الصيني لأمريكا من هذا الباب وأنّ ما تمّ من تفاهمات مع الأقوياء فلابد أن يمرّ عبر بكين ولا وساطة، فالأشهر المقبلة حبلى بالمفاجئات من انهيار دول وتفكك آخرى، فتلويح ترامب من أشهر بالخروج من سوريا عسكريا لمن هذا الباب، وأن القوم في مأزق اقتصادي كبير بعد أن أصبحت شعوب المنطقة العربية أكثر وعيا واستيعابا للمؤامرة الكبرى عليها وعلى خيراتها ومستقبل أبنائها ..
فأمريكا وروسيا اليوم في تعثّر سياسي واقتصادي غير مسبوق، والحرب على الإرهاب غير مكتملة الأطوار، وبلدان تبعية الثالوث منهمكة داخليا، والمطالب بالإصلاحات السياسية والإقتصادية والإجتماعية أكبر من التحديات، ولا سياسة فعّالة عادلة ومدروسة مستقبلا للشعوب، فالأمور لا محالة ستخرج عن نطاق السيطرة ودوام الحال من المحال في ظل هذه السياسات الفاشلة، فالثالوث الجامع بين الفرقاء أصبحت عقيدته مشكوك فيها، وإذا بدأ الالحاد في معتقد فلا شكّ أن المعتنقين سيميلون لمعتقد آخر أكثر عدلا ورحمة بالإنسان قبل الإعمار والبنيان، فالشعوب العربية اليوم أكثر من الأمس بحاجة لعدالة اجتماعية رأس مالها توزيع الثروة عدلا وقسطا، وأن من يحرس بئر الماء في عقيدة الناس اليوم أشر من الذئب الذي في حراسة الماشية، وأن وعي الأمة اليوم اكتمل ونذُج نِصابه ولم يبق إلا أن يتمثّل فعلا بعد أن جُسِّد قولا خلال عقد من الزمن، وسيكون الالتفاف عمّ قريب حول من كان له السبق في زلزلة الثالوث وكشف زيفه عبر ضرب منبع العقيدة وروحها ..
السلام عليكم

======================
كتبه: نورالدين الجزائري
بتاريخ 3 ذو القعدة 1439 هـ  الموافق ل 16/07/2018





Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire