Rechercher dans ce blog

lundi 4 avril 2016

مقال بعنوان " بترول ام دماء في عروق الامة " للمدون نورالدين الجزائري


بترول أم دماء في عـروق الامة ..


يقول الله عزّ وجل :" وإذ قال ابراهيم ربّ اجعل هذا بلداً آمناً وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الاخر قال ومن كفر فأمتعه قليلا ثمّ اضطره إلى عذاب النار  وبئس المصير".
كنت دائماً أتساءل في زمن النطيحة والمتردية السياسية وفي ظل الاستبداد السلطوي على الامة أهناك حرية عمل أم حرية فكر، هل نصلح أم نرمم، وهل نطّور أم نجمّل، هل للأمة مقومات النهوض أم كُتبت علينا التبعية، وهل نحن أسياد كما كنّا أم أصبحنا عبيد بإرادة قمة؟، ما دهى الامة وما أصابها، أين الخلل في تشخيص الزلل، وما السبيل لأخذ الزمم، نعم أين الخلل فيما وصلنا إليه من طوام، لا دين أقمنا ولا دنيا تمتعنا، وكيف وصلنا إلى اعتقاد بعض الجهلة حتى قالوا :  " كان الصديق رضي الله عنه يقول : أينقص الدين وأنا حيّ  " ونحن نقول : أينقص السكر والرز والخبز ونحن أحياء، فشتان من وُضعت الدنيا في يديه بعدما نبذها وما بين من وضعها في قلبه وتشرّبها .
انّ الله عزّ وجل خَصّ الامة بنعمتين ولم يعطيها للأمم الاخرى، أعطى الروحاني والمادي، مَنَّ عليها بالعقيدة والخيرات، حبى خير أمة أخرجت للناس بكرمٍ ان عُدّ لا يحصى، أدى إلى تكالب الامم عليها، وخلت شياطين الانس والجن تتحالف على صغيرها وكبيرها، تطمع في أرضها و هواءها، وخاصة ما أغدق الله عليها من نّعم سارية جارية، إنّها دعوة سيدنا ابراهيم عليه السلام :" رب اجعل هذا البلد امنا وارزق اهله من الثمرات من امن بالله واليوم الاخر ".
إنّ الله عزّ وجل أعطى لهذه الامة كما أسلفنا نعمتين مغبون فيها كثيراً من الامم، أعطاها التوحيد الذي هو أسّ الوجود، وزاد عليه النِّعم لتشدّ من عضد التوحيد، حتى تنصره وتقويه، وتبسط من سلطانه وتنّميه، وتُتبع ولا تَتبَع، ومن رحمته أنه أراد أن يخفف على آخر هذه الامة مسهلا لها في رزقها حتى تنصر رسالتها، و ترجئ لحين حديث رسولها صلى الله عليه وسلم :" انما جُعل رزقي تحت ظل رمحي .."، لأنه عَلِم ضعفها وركونها الى الدنيا وزخارفها.
ومن النّعم على هذه الامة ما يسمى اليوم بالذهب الأسود أو البترول، غرسه ربنا بغزارة في أرض الرسالة، وفاحت به أراضي المسلمين وزيادة، حُبيت به الامة على غرار الأمم الأخرى، وعلى العقلاء التساؤل لما، وهل ربنا رزق الامة من هذا الخير عبثا، أم لغاية وأهداف أخرى معلومة، و لما جعل أمم الكفر تبغض وجودنا على أنهاره وتريد لنا الزوال بلا رحمة.
نعم إنها دعوة سيدنا إبراهيم بأن يرزق الله أهل التوحيد من الثمرات، ثمرات حسية ومعنوية، ثمرات ظاهرة وبَاطِنَة، ثمرة الاسلام وثمرة ما يقوي على نصرة الاسلام، فدعوة سيدنا إبراهيم واضحة جلية، وقوله " وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الاخر "، وكأن الله أراد هذه الأرزاق خالصة في يد الموحدين حتى يُعبد الله وحده ولا يُشرك به ولا يُسمح أن يُشرك به فتمعن أيها المسلم جليا.
ما عسانا أن نقول فيما حبى الله اليوم من هذه الدعوة التي دعا بها أبونا إبراهيم عليه السلام، فوربي لقد استجاب الله دعوته، فباطن بلاد الاسلام اليوم وبعد اكتشاف البترول والغاز ومعادن أخرى ثمينة لهو بمثابة بحيرات من الخير الوفير وبما يزاوي كنوز الأرض وزيادة، وظاهر أرض الاسلام جرداء قاحلة وكأن إعصار اقتلع الحياة وما عليها من سوء الادارة، فما هذا التناقض في مفهوم الآية وما عليه الامة.
فالدارس لتاريخ الامة ومقومات نهوضها يعلم علم اليقين أن الامة قادها كتاب يهدي وسيف ناصر، نصر الامة وقطع أطماع الكفر بردع وبلا هوادة، وقبل البترول كانت تستاق من الأرزاق تحت بيارق البواتر وظلال الرماح وما فيئ عليها ومن الغنيمة، كانت باليسير مما رزقها الله من نعم تكفي الرعية وزيادة حتى نُودي في المسلمين هل في الامة فقير أو صاحب دَيْن أو من أراد الزواج فعلى عاتق بيت المال والخزينة، فكانت البركة تحف الملة وجعل الله الدنيا في أيدي الراعي والرعية وطردها من القلوب فكانت لا تسع إلا للتوحيد وحب الدين والشريعة، فكيف انقلبت المفاهيم اليوم وفهمت الدنيا على غير فهمها الاول وكيف تاهت الامة في الفقر وهي غنية!
نعم ضعفت الامة، تكالب عليها العدو وألْزَمَهَا الوِصاية، مزق أوصالها واحتكر الثروة والطاقة، ونّصّب عليها حكّاما وحكموا في الامة بالوكالة، فما كان له ثروة أصبح لا يملك منها إلا إسما، لا نملك من الدعوة إلا الروحانية، وحتى الروحانية ما رعيناها حق الرعاية، سُلط علينا من لا يخاف فينا لومة لائم ولا يرقب فينا إلاً ولا ذمة، تصدر الخيرات ولم نجني منها إلا الويلات، ويلات من نطق بكلام ذوي الخويصرة، فلم يعدل في القضية ولا السوية، وهدر أموال الامة في الترف والحاشية، فاخشوشنوا من خيرات الامة ورموا بجسدها للفقر وسوء العيش والحياة الضنكة، فخلف من تلك الخطط المدروسة على الامة ومن نهب كنوزها جيلا ً لا يعرف من الاسلام إلا الاسم وعشق حياة المترفين من أبناء المحمية الاستدمارية، فعُمِلت المتاريس لمن لم يركب سفينتهم وأغرقوا الجميع في بحيرات شهواتهم وما كان من ذلك إلا ما نراه اليوم من تيه في الدنيا وجهل مركب في الدعوى، فمشوا مشي الغراب الذي لم يحسن مشي الحمام، فاستحدثوا طرقا لكسب المال ما أنزل الله بها من سلطان، فتنافسوا الدنيا ونسوا ما المغزى من الرسالة، لا دين نصروا ولا حياة كريمة متعففة سلكوا، خلطوا الحرام بالسحت، فرمتهم السنن إلى ما هي عليه أمم الكفر من ترف ونِعَم، فاستُبدلوا ولن تجد لسنن الله تبديلا ولا تحويلا.
 يقول ابن خلدون رحمة الله عليه في مقدمته أثناء بيانه طريقة دخول الترف إلى المجتمع واستشراءه والآثار التي يحدثها:
"
وذلك أن الأمة إذا تغلبت وملكت ما بأيدي أهل الملك قبلها كثر رياشها ونعمتها، فتكثر عوائدهم ويتجاوزون ضرورات العيش وخشونته إلى نوافله ورقته، ويذهبون إلى اتباع من قبلهم في عوائدهم وأحوالهم، وتصير لتلك النوافل عوائد ضرورية في تحصيلها، وينزعون مع ذلك إلى رقّة الأحوال في المطاعم والملابس والفرش والآنية.
ويتفاخرون في ذلك ويفاخرون فيه غيرهم من الأمم في أكل الطيب ولُبس الأنيق وركوب الفاره، ويُناغي خَلَفهم في ذلك سلفهم إلى آخر الدولة، وعلى قدر ملكهم يكون حظهم من ذلك وترفهم فيه، إلى أن يبلغوا من ذلك الغاية التي للدولة أن تبلغها بحسب قوتها وعوائد من قبلها، سنة الله في خلقه والله تعالى أعلم ".
إن ما حبى الله به هذه الامة من ثروات البترول لو استُغلت بسياسة حكيمة رشيدة لكان الخير الوفير على الانسانية، ولا دخل الناس في دين الله أفواجا أفواجا وعمّت المعمورة السكينة، لأن نعم المال الصالح في يد الرجل الصالح ينفقه في سبيل الله، ولا ينزلق إلى مخاطر الترف وما يترتب عليه من أضرار وأخطار كما بيّن ذلك ابن خلدون رحمه الله، وأن سوء القسمة في السوية لا تظهر أضراره حتى تنشأ أجيالا عليه، فيصبح المذموم محمودا والمحمود مذموما، فتترعرع على سوء القسمة أجيالا ترى في عروقها إلا أموالا من كل دخلٍ وإن كان من عند الشيطان اللعين، وما حروب الناس اليوم لخير دليل.
فإن أكثر الناس اليوم ينظرون من زاويتين، جمع المال وكيفية تبديده، ولا يهمهم طريقة الحصول عليه وكيف إنفاقه، فالأمة حباها الله بدعوة لم تعرف السبيل إلى الحكمة منها، فأصبحت كالذي دعى وهو ظالم لنفسه فأنَّ ان يُستجاب له، فعلى أبناء الأمة اليوم خيارين لا ثالث لهما : أن تفهم الامة أن المال إنما جعل لنصرة دين الله وليس للعبث به، لنصرة " لا إله إلا الله " وليس للصدّ عن مفهومها، وإن  عبثت به فستخسر دينها ودنياها وهذا ما نراه اليوم في عروق الامة : أموالا دون دماء .
إقـــرأ التـــــاريخ إذ فيـه العبــر *** ضَـل قـوم ليـس يــدرون الخبــر

الســــــلام عليكـــــم ..

==========================
كتبه : نورالدين الجزائري
8جمادي الثانية 1437هـ الموافق ل 18 /03/2016



Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire